أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسالة إلى الرئيس المنتحب أوباما ... م . سعد الله جبري

السيد أوباما، الرئيس الأمريكي المُنتخب للمرحلة القادمة،
السلام عليكم ورحمة الله (إنها تحية العرب والمسلمين)


لا أعتقد أن رئيسا للولايات المتحدة، سبق وحصل على اهتمام ورجاء شبه إجماع عالمي وأمريكي شعبي ورغبة قلبية صادقة لكي ينجح مثلما حصل معك، وهناك سببين أساسيين لذلك:
السبب الأول: أنت أتيتَ مُعارضاً ومنتقدا أفشل واسوأ وأجرم رئيس لأمريكا في طول تاريخ أمريكا وعرضه. وهذا هو رأي وقول الشعب الأمريكي ذاته الذي تقول أكثريته أن بوش لم يكن رئيسا حقيقياً إطلاقاً، وإنما دمية سخيفة بيد اليمين الصهيوني المتطرف، ويد أصحاب مصالح فاسدة أهمها شركات البترول والسلاح التي عاثت في أمريكا والعالم أجمع فسادا، وامتصت أموال شعوب العالم بما فيها الشعب الأمريكي بفساد غير مسبوق، وسخّرت السياسة والمصالح الأمريكية لمصالحها شاملاً ذلك القدرات العسكرية وشنِّ الحروب العقيمة، التي خرّبت أمريكا تخريبا، وكان نتيجتها انتقاما ربّانيا على جميع الذين وافقوا عليها.
السبب الثاني: أنك أتيت بطروحات مناقضة للطروحات البائسة والغبية لمستر بوش وإدارته. ونظراً لأنك الآن قد تطرقت إلى رغبة وآمال مع العالم الإسلامي في تصريحك الأخير، فأقول لك، أنه يبدو حتى الآن أنك تملك نوايا طيبة تجاه شعبك، وتجاه الشعوب التي قهرتها وظلمتها الإدارات الأمريكية السابقة.

وسأقول لك إن مفتاح اللعبة جميعها يتجسد في كلمة واحدة هي "العدل" فإن كنت تُؤمن به حقّاً، فقاعدة العدل صيغة إنسانية تشمل العالم، ولا تشمل العلاقات داخل مجتمعك الأمريكي وحده. ولنحدد اختصارا:


1. يأتي على رأس، بل وفي قمة المواضيع التي تستحق العدالة، والتي لا زالت تنتظر من أمريكا حلّا بلا أمل ستين سنة متوالية، قضية فلسطين، التي ما زال الغرب الأمريكي والأوربي، يقومون بمسخها سنة بعد سنة، حتى ليُمكن القول أنهم هشّموها تهشيما ظالما وغير عادل ولا أخلاقي بالكليّة. ربما كنت لا تعلم كثيرا عن هذه القضية بالعمق الكافي - رغم ما قيل بأن لك صديقاً فلسطينياً كان زميلا لك في الجامعه، لا شكَّ بأنه شرح لك بما يكفي لتفهم أبعاد القضية - ولكني أضيف على ما قد يكون صديقك الفلسطيني قد شرحه لك. بأنه يكمن في مشكلة فلسطين، بأنها المفتاح السرّي الأساسي لجميع ما يريده العالم من السلام، وإن ما تعرّض أو سيتعرّض له لاحقا شعب فلسطين من المعاناة والظلم كان بسب مزاعم تشكل أسّ الظلم الدولي والصهيوني التي يسموها كذبا وبهتانا وافتراء في أمريكا بالإرهاب. وكل تغابي وتجاهل وتعامي عن حقيقة المشكلة وسبيل حلّها الوحيد، هو أمر لن يحقق السلام لا للعالم، ولا للمنطقة، وربما ولا لأمريكا ذاتها.


2. إن فلسطين منذ خلق الله البشرية، هي جزء من سورية وأرضها بالذات ملك خالص للشعب المقيم عليها وهو شعب فلسطين، وشعب فلسطين وسورية - كأغلب شعوب العالم - تعرّض لغزوات كثيرة، ربما كان آخرها قبل تسعة قرون الغزو الصليبي الأوربي الذي احتلها مئة عام ثم خرج منه مهزوما مدحوراً، ثم تجدد ذات الغزو الصليبي في مطلع القرن العشرين، وكان الإحتلال البريطاني والفرنسي لسورية، فقاما بسفالة تاريخية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الظلم الدولي، وذلك بتقسيم سورية إلى أربع دويلات تقاسمها المجرمان: الفرنسي الذي استعمر سوريا ولبنان المجتزأة من سورية الأصلية في شمالها، والإنكليزي الذي سيطر على شرقي الأردن وفلسطين المجتزءتان من جنوب سورية الأصلية. وقد كابر الإحتلال الإنكليزي وقاتل ثورات فلسطينية عديدة وقتل وأعدم الألوف من العرب، لكي يبقى في فلسطين كي يسلِّم أمانة - عفوا - خيانة وعد بلفور، وذلك بتسليمه فلسطين إلى اليهود لإقامة دولة إسرائيل.


3. لننظر إلى الأمر خارج التعصّب والعنصرية المرفوضين أخلاقيا وإنسانيا ودينيا ( في الديانات الثلاث، والمفاهيم الإنسانية المعاصرة ) ولنتساءل، هل ورد في أي كتاب مقدس لليهود أن يكون هناك دعوة لهم من الله ليُشكّلوا دولة إسرائيل، ويطردوا كامل شعبها العربي المسالم المقيم عليها منذ آلاف السنين: مسلمين ومسيحيين ويهود؟ كلا لم يرد. ولو كان أي فرد من يهود العالم يريد العودة إلى فلسطين التي قادهم إليها النبي موسى، وذلك لأسباب دينية بحتة، هل كان ليمنعهم أي حاكم عربي مسلم أو مسيحي في فلسطين؟ أبدا ومطلقا. إن تواجد مسلمين ومسيحيين ويهود في فلسطين - وكذلك في جميع الدول العربية الأخرى - أمر طبيعي ومقبول ويتمتع بالعدل والمساواة الكاملة طيلة مراحل الحكم الإسلامي للمنطقة العربية، حيث كان هناك ملايين اليهود في بلاد العرب ذات الأكثرية الإسلامية طيلة أربعة عشر قرنا، ولم تتعرض أي سلطة أو مواطنين غير يهود، لليهود بأيِّ أذى، وإنما كان هناك احترام وعيشٌ مُشترك ومودّة كاملة ومتبادلة بين مواطنين معتنقين لديانات سماوية متعددة. ولم ولا يعترض عليه إلا متعصب عنصري غير موجود عند المسلمين والمسيحيين العرب إطلاقا، إطلاقا. ولكن أن تنقلب فلسطين التاريخية إلى دولة إسرائيل، كدولة لليهود فقط ، وتطرد العرب مسلمين ومسيحييين لاحتكارها يهوديا، فهذا ترفضه أبسط المبادىء الإنسانية والأخلاقية والدينية. وهذا هو سبب جميع مصائب العالم منذ النصف الثاني من القرن الماضي وحتى اليوم، وهو إلى تزايد أكيد، وإلى ما لا يُمكن توقعه من تفجّر عالمي في المستقبل، مالم تُحل المسألة من جذورها بالعدل.


4. إن الغباء البوشي الذي استغله جماعة اليمين الصهيوني المتطرف، والذي أرغمه - راضيا بالطبع لغبائه، وشهوته للسلطة والمصالح الفاسدة، وقصر نظره - لادعاء محاربة الإرهاب بالإحتلال والسلاح، كان أغبى حل يُمكن أن يفكر به أي إنسان عاقل وحكيم إطلاقا، وأي رجل دولة - ولو بدرجة معقولة من الذكاء والمسؤولية - فالتاريخ يثبت أن استعمال القوة للقضاء على آمال الشعوب وحرياتها، ولدعم الإغتصاب، لم ينجح ولم يدُم إطلاقا - وهذه حرب العراق آخر مثل على ذلك - وكانت النتيجة النهائية المتكررة تاريخيا للمعتدي هي الهزيمة الأكيدة، والإنتقام منه لاحقاً لتحقيق العدالة في الواقع، ولكن يُثبت الإنسان ويا للأسف - متمثلا ببعض القيادات - أنه يتخلى عن نعمة العقل والحكمة والمصالح الحقيقية، عندما يختبره الله بمنحه سلطة وقوة أكبر مما يحتملها عقله. وهذا بالمناسبة مصيبة العرب في ُمعظم حكّامهم الحاليين.


5. ولأختصر، هل أنت فعلا تريد العمل للعدالة والحق في الشرق الأوسط؟ إذا كنت فعلا تريد السلام في الأوسط الأوسط، وفي العالم، بل وفي أمريكا، وتريد قيادة بلادك لتكون رمز السلام مرة أخرى، فالحل بسيط جدا ومعروض ومعروف ويوافق عليها الشعب الفلسطيني والعرب جميعا مسلمين ومسيحيين. ويتمثل بما يلي:
1) إلغاء دولة إسرائيل العنصرية اليهودية.
2) عودة الفلسطينيين إلى بلادهم وأملاكهم التي طردوا منها.
3) تعود للدولة أسمها التاريخي وهو فلسطين وهو الذي كان سائدا وساريا منذ ما قبل النبي إبراهيم أبو اليهود والمسيحيين والمسلمين جميعاً. وتُشكَّل فيها دولة ديموقراطية تحوي جميع من يريد البقاء في فلسطين من اليهود والمسلمين والمسيحيين.
4) يقرر السكان، أي الشعب الذي أراد واختار السكن والمعيشة في فلسطين، نظام الحكم وصيغته بشكل شعبي ديموقراطي بعد مرور فترة إنتقالية تُعيد الإستقرار إلى فلسطين وتحقق التوازنات التي تتطلبها المرحلة الإنتقالية.


إن الحل المذكور، والمحقق للعدالة الإنسانية، لينفي أي حاجة لما يُسمى مفاوضات السلام. لأنه لم يعد هناك طرفين للمفاوضات، وإنما بقي هناك طرف واحد، هم سكان دولة فلسطين، بعد إلغاء إسرائيل الدولة العنصرية المخالف أساسُ وجودها للمفاهيم القانونية والعدالة الدولية.
لا أدري فعلاً هل أنت أكبر في - قدرتك - أن تفرض الحل المذكور، أو هو أكبر من قدرتك!!

6. السيد أوباما، أقول لك عن خبرة سياسية وواقعية واستقرائية لما ورد في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، أن الحل المذكور هو الحل الوحيد، وأكرر الوحيد الذي يعيد السلام ليس لمنطقة الشرق الأوسط فحسب، بل لمفاهيم الكيان العالمي الجديد ومصالحه. ويعيد الأخوة الإنسانية بين جميع مسلمي العالم مع جميع مسيحيي ويهود العالم. أما لعبة ومهزلة دولة إسرائيل القوية جدا، وبجانبها دويلة فلسطينية مسخ منزوعة السلاح والقدرة غير قادرة على العيش والتطور في أيٍّ من المجالات الطبيعية للدول. فهذا مجرد مهزلة تُجسد الظلم الكامل، اقترحها ويماطل في تنفيذها زعماء إسرائيل تدعمهم إدارات أمريكية تسير في ركابهم لمصالح فاسدة متنوعة. وذلك لمسخ حقوق شعب فلسطين إلى الحد الأدنى، الأدنى، من حقوق الشعب والإنسان. وهذا لن يمرُ، ولو وافق عليه جميع العملاء من حكام العرب. هذا يقين فأرجو إدراكه.

7. وأقول لك أن هناك توجّهات مُخادعة لكم كأمريكيين وغربيين، من قيادات عربية مثل السعودية والمصرية (منذ ثمانينات القرن الماضي) والخليجية وجميعها قائمة على شعوبها بالحكم الإستبدادي الديكتاتوري والقهري والدموي، وللأسف بدعم وحماية الإدارات الأمريكية المتتابعة لها، والتي تدعي زورا وبهتانا وخداعا بأنها تريد الديموقراطية لشعوب المنطقة. وإن زعامات هذه الدول الموالية للإدارات الأمريكية لدرجة الإنبطاح والإذعان الكامل، لا تعّبر عن رأي شعوبها بالمطلق الأكيد، وإنما هي زعامات ديكتاتورية عميلة، تنطق بالتوجيه الأمريكي المؤُثر عليه من الصهيونية العالمية والأمريكية والمخالف كُلّية لرأي شعوبها. وإن ما فعله السادات وحسين الأردن من اعتراف بإسرائيل ما كان إلا نتيجة كون المذكورين مجرد عملاء وجواسيس فعليين بأرقام لدى CIA والإدارات الأمريكية، وقد دعمت CIA وجودهم في السلطة على شعوبهم ضد توجهات شعوبهم، وما زالت تفعل حتى الساعة. والزمن لم ينتهي بعد. وسيأتي - يوم قريب لا بدَّ، وهذه حتمية تاريخية لا يُنكرها إلا أحمق مغرور - تنتفض شعوب العرب على الحكام الخونة الموالين للإدارات الأمريكية المنبطحة للنفوذ الصهوني.

8. وأذكر في هذا المجال، حكمة خالدة زرعها الله في نفوس البشرـ ولكنهم - لأنهم بشر ينسونها - رغم إثباتاتها التاريخية الدائمة المُتكررة، وهذه الحكمة تقول بأنه "لا يصحُّ إلّا الصحيح"، وإن وجود إسرائيل ومنع أهلها من العودة إلى بلدهم وأرضهم وبيوتهم، هو خطأ وغير صحيح، ولن يمرّ ولو بجميع طائرات وصواريخ ودبابات العالم أجمع. وهو بالذات سيكون سبب هلاك إسرائيل وتقتيل شعبها كما ذكرت نبوءات الكتاب المقدس على لسان النبي دانيال، وقول المسيح في الإنجيل مؤكدا قول النبي دانيال. وكذلك ما ورد في القرآن الكريم من نهاية تدميرية لإسرائيل. لماذا؟ هو لسبب الظلم الفظيع الذي ارتكبته وما زالت ترتكبه إسرائيل يوميا ضد شعب فلسطين بإصرار ودون خشية من الله ربهم. وعدالة السماء حتمية لا بد من نفاذها.

9. أرجو أولاً في القضايا العربية أن تتطلع وتسأل وتتحقق من رغبات وتوجهات الشعوب العربية ، وليس قياداتها فحسب بالتأكيد، لأنه أغلب القيادات إما عملاء، أو مغفلين، أو فاسدين، وهؤلاء لا يمثلون شعوبهم بشيء، ولا بد أن يأتي يوم ويستقر الميزان بدارهم، ويزرع الشعوب ديموقراطية شعبية حقيقية مكانهم.

10. وأرجو ثانياً، أن تدرس الأمور كإنسان، وأن تكون حقا أمل العالم والأمريكيين في سلام وفق مبادى العدل التي قامت عليه الدولة الأمريكية عند تأسيسها، وعندها يمكن أن تنجح كقائد عالمي للسلام، وإلا فستكون رقما مضافا إلى أرقام سابقة من الرؤساء الذين تسببوا في كوارث إنسانية تتطور خطرا، حتى ليمكن أن تكون سبب دمار العالم.

أرجو من السفارة الأمريكية في دمشق ترجمة هذا التعليق، وإرساله إلى الرئيس أوباما.
بكل احترام/ 

(89)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي