أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

والأسد....الشعور القومي أمانة بين يديه .... د. عوض السليمان


لم ينس الرئيس السوري بشار الأسد أن يتحدث في خطابه الأخير عن أهمية اللغة العربية وعن تقديره واحترامه لها. ولقد سرّنا ذلك الأمر أيما سرور. كما لم ينس الرئيس الشاب الحديث عن الانتماء للقومية العربية وعن الشعور القومي. ولا شك أنني شعرت بالغبطة والحبور عندما تطرق الرئيس إلى ذلك الموضوع، في نفس الوقت الذي ساورتني فيه شكوك محزنة، لأنني على اقتناع تام أن الأسد ما تطرق إلى ذلك الموضوع لولا معرفته التامة أو على الأقل إحساسه باضمحلال الشعور القومي في المنطقة العربية بوجه عام.

ولا نشك أن هذه مشكلة عويصة ومقلقة، فإذا ضعف الشعور القومي، ضعف كل ما يربط الفرد بوطنه، من الرغبة في الدفاع عنه إلى محاولة إعلاء صورته والحفاظ على هيبته.


إننا لا نستطيع أن ننسى عروبة الأحواز، ولكن انظر، سيادة الرئيس، عندما نتكلم عن احتلال إيران للأحواز، أو اغتصابها للجزر العربية الإماراتية الثلاث، أو مطالبتها الحمقاء بدولة البحرين العربية الشقيقة، أتعرفون ما يحدث سيادتكم؟ يهاجمنا الأحمق والعالم على حدّ سواء. إنهم لا يستطيعون التمييز بين موقفنا من إيران التي تحتل أرضاً عربية، وبين موقفنا منها وهي تساند السياسة السورية. ومرد هذا، لا ريب، ضعف الشعور القومي بصفة عامة. فقد تعلمت في مدارس سورية، أنه لا فرق بين سورية نفسها وبين البحرين أو اليمن، أو الإمارات فكلها أرض عربية، لا بد من الدفاع عنها والموت في سبيلها إذا كان لا بد من ذلك.

اليوم، سيادة الرئيس، يفرح بعض إخوتنا وعمومتنا باستشهاد الرئيس صدام حسين على يد أعداء الحضارة ,صناع الموت الأمريكان، فكيف لنا أن نفهم أن عربياً يفرح بأن أمريكا دخلت بلادنا وقتلت زعيمها، يوم عيد الأضحى، ونصبت حكومة جاءت بها، تماماً كما جاءت بالقنابل والصواريخ التي رمتها فوق رؤوس أطفال العراق. أ ليس هذا هو العجب العجاب؟

أو ليس غريباً أن تصبح أخبار الشهداء في العراق وفي فلسطين بلا قيمة، حتى أن خبر استشهاد عشرة أو مائة لا يلفت نظرنا ولا نلقي له بالاً، كأن شيئاً لم يحدث، وكأن الذي قتلوا ليسوا إخوتنا ولا أبناء عمومتنا. ألا يقول الناس" أنا وابن عمي على الغريب". فما بالنا اليوم ونحن نقول أنا والغريب على ابن عمي!!.

حتى أن كثيراً منا اليوم لا يهتم لأمر فلسطين، ولا يفكر بها، وقد رأى العرب خلافات فتح وحماس على الشاشات مباشرة، فما تحركوا لاحتواءها، وكأن المعارك التي اقتتل فيها إخوة الجراح تجري في قرقيزيا أو بلاد الواق واق. بل أكثر من ذلك، فقد سمعت أن أحد الطلبة حصل على منحة دراسية في الولايات المتحدة الأمريكية، منبع الإرهاب ومصدره الرئيسي، فقال له أحد أصحابه، هذه فرصة عظيمة اغتنمها، فإذا وصلت هناك فاشطب الوطن العربي برمته من الخارطة!!.


لقد ضاعت أشعار المتنبي، في زحمة أغنيات روبي وهيفاء، ومن منا ذلك الذي يذكر ما فعله لقيط بن يعمر الإيادي، العامل في قصر كسرى، لما بلغه ما سيفعل الأخير من هجوم على أرض العرب، وكيف أسرع بإبلاغ بني عمومته من العرب بنية فارس فأفشل خطتهم وكان سبباً في تدمير جيوشهم. وهل بقيت ذكرى لهانئ بن مسعود الشيباني يوم انتصف من العجم من أجل هند بنت النعمان؟.


اليوم تتفاخر الدول العربية بلفظة "أولاً"، وقد انتشرت هذه اللفظة كانتشار النار في الهشيم، وقد سمعتها"أولاً" في غزة وأريحا أولاً. ثم ما لبثت أن سمعتها ثانياً في "الأردن أولا"ً، و"مصر أولاً" وكل قطر أولاًً. ورأيت نتيجتها بالعين المجردة، عندما تفرج العرب على المقاومة اللبنانية في حرب تموز الأخيرة، حيث راقبوا تلك المعركة تماماً كما لو أنهم يتابعون مباراة في كرة القدم، وللحق، فليس الكل تفرج، بل هناك من قضى الليل ساجداً و قائماً يدعو أن يكسب الصهاينة المعركة!!.

لقد طالبت أمريكا الدول العربية أن تغير مناهجها الدراسية، وهذا لعمري طلب ذو أهمية يجب أن نشكر إدارة بوش عليه، فنحن، سيادة الرئيس بحاجة ملحة لتغيير المناهج وبالسرعة القصوى، وخاصة مناهج التاريخ والجغرافيا والقومية، لا بد للمناهج الجديدة أن تعرف العربي ببلاده جيداً، حدودها وخيراتها ومن أولئك الذين يسعون لنهبها. لا بد من تعريف الطلاب بأن فلسطين عربية من البحر إلى النهر، ببياراتها وليمونها وبرتقالها. ولا بد أن يعرف الطلبة إقليم عربستان وجزيرة أبي موسى وطنب وأين يقع لواء اسكندرونة. يجب أن يعرف الطلبة بالضبط ماذا حل بالعرب سنه 1948، لا بد أن تعمل لهم مجسمات عن المذابح التي أدارها الصهاينة في فلسطين، ولا بد لأبنائنا أن يعرفوا تفصيلاً ماذا فعل الطليان في ليبيا و الفرنسيون في الجزائر، ولا بد لهم أن يعرفوا ماذا فعلت أمريكا في العراق وكيف اشترت ضمائر كثير من العرب لتدمر هذا البلد فوق رؤوس أهله. لا بد للمناهج الجديدة أن تعرف أولادنا بمعنى الإرهاب، وأن تشرح لهم معنى المقاومة حتى الموت، ولا بد أن تبين لهم مصدر الإرهاب: كيف جاءت به أمريكا والصهاينة للبشرية جمعاء. لا بد للمناهج الجديدة أن تركز على تعليم العربية كتابة وقراءة وفهماً وتذوقاً، ولا بد لها أن تتكلم عن الوطن العربي كدولة واحدة، لا حدود بينها إلا حدود الاستعمار والحكام. ولا تنسوا سيادة الرئيس، أن طلابنا بحاجة لمعرفة أجدادهم، الذين أذاقوا العدو طعم العلقم، ورفعوا راية الأمة بأيديهم كما بقلوبهم. كلّ أجدادهم، في سورية كما في المغرب أو موريتانيا. فنحن بحاجة إلى موسى بن نصير وطارق بن زياد وصلاح الدين.

نعم لقد اهتز الشعور القومي أيها الرئيس، بيد أن كثيراً منا متعلق بهذه القومية بل هو متعب بها، وأنا منهم. نحن لا نزال نستمع إلى " أغنية وحدة ما يغلبها غلاب"، ونبحث في المسياح عن " سورية يا حبيبتي" وأغنية" بلاد العرب أوطاني".إننا ننشد أمام أبنائنا" حماة الديار" و" خلّ السلاح صاحي". وأولادنا يمرحون مع أغنية" يا معلمتي إيجا الذيب". كلما سمعنا أغنية وطنية سالت دموعنا وتوقفنا عن الكلام، وتأوهنا على حاضر هذه الأمة، الحاضر الذي يتآمر فيها بعضنا على بعض ويقتل بعضنا بعضاً.

سأقص على سيادتكم هذه القصة اللطيفة، اجتمعنا ذات مرة مع عدد لا بأس به من الإخوة السوريين والعرب في بلاد الاغتراب، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، كنا مشغولين بتبادل أطراف الحديث والتهاني، لما قفز أولادنا وبناتنا فرحاً وصرخوا "فازت سورية على فرنسا" وأخذوا يركضون في أرجاء البيت، "هيه هيه فازت سورية فازت سورية". الحقيقة أن أحداً منا لم يفهم شيئاً ولا نعرف كيف فزنا على فرنسا، حتى دخلنا غرفة المسياح، إذا كان الأطفال يتابعون لقطات من مباراة رياضية جرت عام 1987 بين فرنسا وسورية في دورة ألعاب البحر المتوسط، وفي تلك المباراة فازت سورية على فرنسا بهدفين مقابل هدف واحد. ومع أننا بذلنا جهدنا لإقناع الأطفال أن المباراة قديمة، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل، فأطفالنا على بعد آلاف الأميال يهتفون فرحاً لنصر سورية في مباراة جرت قبل عشرين عاماً. لا شك أننا توقفنا برهة عند هذه الشعور المفعم بالوطنية، وما لبثنا جميعنا إلا أن بدأنا نهتف كأولادنا" فازت سورية على فرنسا" ونركض معهم من غرفة إلى غرفة.

أرجو سيادة الرئيس أن تحافظوا على المشاعر القومية عند شبابنا وأولادنا، وأن تبذلوا جهدكم في تنميتها وإذكاءها. وللمسألة طريقان، المناهج ووسائل الإعلام، وأرجو أن تنظروا بعين المتفحص لوسائل إعلامنا، فإن صحفيينا يظنون، أنك لن تصبح ناجحاً إلا تكلمت ضد بلادك أو سببت الإسلام أو طالبت بالسماح بلوطية الغرب وشذوذه. وإنه لأمر يوجع الفؤاد، عندما ترى صحفاً إلكترونية في بلاد العرب، تبشر بتخنيث الشباب وتدعوهم إلى الانحراف بكل وسيلة.

سمعنا خطاب القسم، توهجت مشاعرنا كشمعة في ليل حالك، بدأتم هذا الطريق فأكملوه حتى إشراقة الفجر.

دكتوراه في الإعلام - فرنسا
(132)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي