تفرض المحاكم الألمانية المختصة بقضايا اللجوء شروطاً قاسية على المنشقين عن النظام من اللاجئين، سواء كانوا ضباطاً أو عناصر عاديين لناحية قبول طلب اللجوء أو البت بطلب لمّ الشمل وغيرهما من الإجراءات مما يجعلهم يعيشون أوضاعاً سيئة وتقييداً لحرية الحياة والعمل.
"محمد الخلف" صف ضابط انشق عن النظام وخرج من سوريا في أيلول سبتمبر من عام 2014 بعد سيطرة النظام والميليشيات الكردية وتنظيم "الدولة" على كل محافظة الحسكة، ولم يجد أمامه من منفذ سوى تركيا.
يروي"الخلف" لـ"زمان الوصل" إن المشكلة الكبرى التي واجهته ولا تزال مستمرة إلى الآن هي عدم حيازته ما يثبت شخصيته لا هوية لا دفتر عسكرية، وواجه في تركيا صعوبات جمة جراء ذلك، إذ لم يجد فرصة عمل رغم أنه خبير في التقنيات الإلكترونية، كما لم يستطع تعديل شهادته لذات السبب.
واستمرت مشكلة "الخلف" عند لجوئه إلى ألمانيا بتاريخ 13 أيلول سبتمبر/2015 حيث طلبت السلطات الألمانية منه أن يصدر عن طريق أقاربه إخراج قيد له من سوريا وقبل ذهابه إلى المحكمة بخصوص قبول اللجوء حذره بعض المعارف -كما يقول- من أن يذكر أنه منشق عن جيش النظام، لأن هذا حسب قولهم من شأنه أن يعقد الأمور، ويزيد من التحقيقات وعدد المحاكم.
وأردف محدثنا أنه أدعى أمام القاضي أنه لم يؤد الخدمة العسكرية، وأن أوراقه الثبوتية ضاعت منه في البحر.
ولفت محدثنا أن المحكمة رفضت إخراج قيده الذي أمّنه من سوريا لأنه أُخرج من الحسكة التي كانت تحت سيطرة تنظيم "الدولة، وشعر الخلف بالندم –كما يقول- لأن الأمر مسؤولية وهناك قاعدة بيانات بين النظام والحكومة الألمانية -كما علم فيما بعد- مما جعله يشعر بالخوف من العواقب، ورغم مرور سبعة أشهر على آخر محاكمة لم يتلق "الخلف" أي رد بشأن لجوئه سلباً أو إيجاباً، علماً أنه مضى أكثر من سنتين وشهر على وجوده في ألمانيا حتى الآن دون أن يتمكن من العمل أو الدراسة.
وأشار مسؤول مكتب المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ألمانيا "محمد كاظم هنداوي"لـ "زمان الوصل" إلى أن عوائق وصعوبات عديدة تواجه العسكريين المنشقين بمختلف رتبهم، فالقانون الألماني يحتم أن يكون طالبو اللجوء وبخاصة السياسي منها قد دخلوا إلى البلاد بطريقة شرعية.
وأضاف "هنداوي" أن "هذا القانون لم يأخذ بعين الاعتبار كون هؤلاء الأشخاص انشقوا عن نظام أجرم بحق الشعب السوري"، علاوة على أن بعض المحاكم الألمانية تدعي عدم ثبوت تورّط أجهزة جيش النظام كاملة في جرائم الحرب الحاصلة في سوريا.
وأكد أن الضابط السوري المنشق مثلاً يُعامل دون تمييز عن غيره من اللاجئين لكونه انشق طلباً للحماية والأمان، ولكي لا يكون أداة بيد النظام للفتك بالشعب السوري، والكثير من هؤلاء الضباط –كما يقول- خرجوا من سوريا وهم لا يحملون إثباتات تثبت كونهم ضباطاً باستثناء بطاقاتهم الشخصية أحياناً.
وانتقد "هنداوي" المغتربين القدامى ممن هم مع الثورة لعدم سعيهم إلى إيجاد حاضنة لهؤلاء المنشقين أو إيجاد هيئة أو جهة تدافع عنهم، بل على العكس من ذلك –كما يؤكد- تملص الكثير من المحامين والحقوقيين من تقديم خدمات لهؤلاء المنشقين بزعم أن قضاياهم خاسرة.
ولفت محدثنا إلى أنه يعرف ضباطاً كثرا وعلى تواصل مستمر معهم يعانون أوضاعاً سيئة أكثر من باقي اللاجئين العاديين، ولم يتمكنوا –رغم مرور سنوات على لجوئهم- من تأمين لمّ شمل إلى الآن.
وحول الآلية التي تتبعها المحاكم التي تبت بطلبات اللجوء مع العسكريين المنشقين عن النظام، ولماذا لا يحصلون على حق اللجوء على الرغم من أنهم ملاحقون منه أوضحت الاستشارية في شؤون الهجرة واللجوء في ألمانيا المحامية "نهلة عثمان" أن التعامل مع قضايا لجوء المنشقين عن جيش النظام تختلف من ولاية إلى أخرى في ألمانيا.
وهناك -كما تقول- 16 محكمة عليا للبت بهذه القضايا، ثلاثة منها ترى أن كون اللاجىء عسكرياً منشقاً أو لديه دفتر خدمة عسكرية لا يكفي لقبول طلب اللجوء وهذه المحاكم في مقاطعات "شمال الراين" و"فيستفالن" و"ولاية نيدر زكسن"، ومما يعقد الأمور–بحسب عثمان- أن بعض اللاجئين الذين يقدمون طلبات لجوء لا يتحدثون عن أسبابهم الشخصية، وعادة يأخذ القضاة بالبروتوكول المتبع وبالأسباب التي تحدث عنها اللاجئ في أول مقابلة، فإذا لم يكن اللاجئ قد تكلم عن هذه الأسباب في البداية فمن الصعب أن يربح دعواه، والأمر ينطبق على العسكريين والمدنيين على حد سواء.
وبدوره أشار المهتم بشؤون اللجوء الناشط "محمود عفارة " إلى أن من أبرز المشاكل التي تواجه العسكريين المنشقين في ألمانيا عدم امتلاكهم إثباتات تؤكد أنهم عسكريون منشقون، ومما يصعب أوضاعهم –كما يقول- هو عدم الإفصاح عن انشقاقهم في بداية الأمر، معتقدين أن هذا الأمر من شأنه تسريع البت في طلب اللجوء، وتسهيل إجراءات لم الشمل ولهذا السبب ترفض السلطات الألمانية -كما يقول محدثنا- منح اللجوء الإنساني أو السياسي للعسكريين المنشقين أياً كانت ظروفهم الإنسانية.
وأكد عفارة أن الإجراءات البيروقراطية المتشددة في ألمانيا لا تقدّر أن العسكريين ليس لديهم أي إثباتات بخصوص انشقاقهم، ورغم أن الكثير من اللاجئين المدنيين-كما يقول- لا يحملون أوراقاً أو إثباتات ولكن الوضع بالنسبة للمنشقين عن جيش النظام يبدو مختلفاً وأكثر تعقيداً.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية