أخيرا، نشرت وكالة المخابرات الأمريكية اليوم الأربعاء، كنز "أبوت أباد" من الوثائق التي عثرت عليها في حوزة مؤسس وزعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، الذي اغتالته واشنطن في عملية خاطفة تمت فجر 2 أيار/ مايو 2011، حين داهمت منزله في "أبوت آباد" بباكستان.
الكنز الذي يحتوي وثائق عثر عليها في جهاز الكومبيوتر الخاص لـ"بن لادن"، نشرت منها المخابرات الأمريكية كماً كبيرا يعادل حجمه الإجمالي 18 جيجا، وتدور حول موضوعات مختلفة ومتشعبة، يهمنا في المقام الأول منها ما يتعلق بالشأن السوري، حيث يكشف البحث السريع في عناوينها عن 23 وثيقة، تتناول الشأن السوري، كانت محط اهتمام ومتابعة "بن لادن" شخصيا، إلى درجة أنه احتفظ بها على جهازه الخاص.
وتتراوح هذه الوثائق الخاصة بسوريا، بين مقالات تحليلية ودراسات ورسائل صادرة عن شخصيات معتبرة في "التيار الجهادي"، وهذه الأخيرة –أي الرسائل- هي الأكثر حساسية، كونها تكشف في بعض جوانبها عن أمور لم تكن لتُتداول إلا على نطاق ضيق.
ومن بين هذه الوثائق عدة رسائل لـ"أبو بصير الطرطوسي"، القيادي الجهادي الذي طغى لقبه على اسمه الحقيقي "عبد المنعم مصطفى حليمة"، وفيها نبرة واضحة بتكفير "النظام النصيري" ووجوب مقارعته وعدم التصالح معه، سنسعى لنشر مقتطفات منها لاحقا.
أما الوثيقة الأخطر، فهي عبارة عن رسالة تمت كتابتها في خريف 2007 ، ونقلت من شخص إلى آخر، في سبيل إيصالها إلى "أبو حمزة المهاجر" الساعد الأيمن للرجل الثاني في القاعدة "أيمن الظواهري"، والذي خلف "أبو مصعب الزرقاوي" في زعامة التنظيم بالعراق، قبل أن يصبح –أي "المهاجر" نائبا لـ"أبو عمر البغدادي" زعيم "دولة العراق الإسلامية"، التي ولد من رحمها تنظيم "الدولة" صاحب الحصة الأكبر في قلب موازين الأوضاع بسوريا، وتحويل مسار الكثير من أحداثها.
*3 مرات
في الرسالة الموجهة إلى "المهاجر" يتحدث المرسل الرئيس المكنى "أبو بصير" عن الوضع الخطير في مخيم عين الحلوة بلبنان، والمصير الكارثي الذي ينتظر المخيم وقد يعيد فيه سيرة مخيم نهر البارد، الذي دمر بشكل شبه كلي، تحت ذريعة محاربة تنظيم يدعى "فتح الإسلام" كان يقوده شخص يدعى "شاكر العبسي".
وقد استفاض الشق الأول من الرسالة في الحديث عن الوضع المتدهور في "عين الحلوة" وانفلات الأمور إلى حد مثير للقلق، قبل الانتقال إلى ماسماه "الشق الثاني من الرسالة يتعلق بالأخ أبو عاصم والمخابرات السورية".
وفي هذا الشق يقول المرسل حرفيا: "الأخ أبو عاصم الأردني وأظنك تعرفه... أنا رأيته في الفلوجة قبل أحداث المعركة الثانية. المهم أنه خرج من العراق إلى سوريا مع مهرب ولكنه وقع في أسر المخابرات السورية. منذ فترة حوالي الشهر، اتصل شخص بأحد الأخوة وقال له أنا من طرف أبو عاصم وأعطاه بعض الإشارات المهمة والتي تؤكد أنه من طرف أبو عاصم. وقال أن أبو عاصم يريد مساعدتكم وبدأ بمراسلة هذا الأخ على الإيميل. وبيّن أن أبو عاصم محتاج لمساعدتنا وأنه في ورطة شديدة هو وكثير من الأخوة وأن هناك مجال للخروج من هذه الورطة.... وبعد عدة مراسلات طلبنا منه أن يبلغنا كم المبلغ المطلوب لتخلية سبيلهم. فرد برسالة أن الموضوع ليس موضوع مال الموضوع أن المخابرات السورية تريد مفاوضات مع تنظيم القاعدة، وادعى أن هذه المفاوضات قد بدأها الشيخ أبو مصعب رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى والسوريون يريدون متابعتها. فطلبنا منه التوضيح أكثر، بعث برسالة مفادها بأن السوريون لا يريدون استقرار في العراق... وأنهم مستعدون أن يفعلوا أي شيء أي شيء أي شيء (مكررة ثلاث مرات) مقابل أن لا تقوم المحكمة الدولية المختصة بمحاكمة قتلة الهالك رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق. وأنه لو هناك أحد يريحهم منها يفعلوا له كل ما يريد (وردت هذه الفقرة الأخيرة بخط مسود وعريض). وذكر خصوصاً موضوع أن للقاعدة الكثير من الأسرى في السجون السورية. وهو يقول أنهم قالوا له: بماذا تستطيع مساعدتنا كما فعل شاكر العبسي.... وذكر في الرسالة على لسان أبو عاصم تحذير لنا أن لا نقوم بتسريب هذا الموضوع وشدد على ذلك قائلاً: لا تقوموا بفعل أي شيء إلا بعد أن تخبروني، وإن حصل أي تسريب سوف تدمروني وسوف تنتهك الأعراض..... ولا حول ولا قوة إلا بالله".
ويكشف هذا "الشق" ما سبق أن تم التأكيد عليه، في وثائق مختلفة ومن مصادر متعددة، منها ما انفردت به "زمان الوصل"، عن اختراق النظام للتنظيمات "الجهادية" وتلاعبه بأشخاص منها، بل ونجاحه بتجنيد بعضهم، في صفقات "منفعة متبادلة"، حيث يستخدم النظام من لديه من معتقلي هذه التيارات للضغط على قياداتهم ومعارفهم من أجل تنفيذ أمور معينة (الوثيقة تذكر ضرب استقرار العراق والتخلص من محكمة الحريري، مقابل التلويح بإطلاق معتقلين كثر من القاعدة لدى مخابرات الأسد).
إيثار عبدالحق – زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية