أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فنانة محاصرة تجسد يوميات القصف والحصار في الغوطة الشرقية

تأسف الفنانة الشابة لتلاشي ألوان لوحاتها أحياناً بسبب مرور الزمن وظروف القصف

على سطح منزلها العربي القديم وسط مدينة "دوما" المحاصرة تبدو الفنانة الشابة "لينا" منهمكة برسم لوحات جدارية تحاكي يوميات القصف والحصار وضحايا الكيماوي، ومعبّرة بألوانها وأدواتها البسيطة عن الواقع المر الذي تعيشه المدينة منذ سنوات.

درست لينا في الثانوية الفنية بريف دمشق، ولكنها لم تتمكن من إكمال دراستها بسبب اندلاع الحرب، وكانت –كما تروي لـ"زمان الوصل"- ترسم على ألواح الكرتون وأوراق دفاترها المدرسية حيناً، وبالطبشور على الألواح والجدران بشكل عفوي وتلقائي أحياناً أخرى، دون أن تتلقى أي دروس في الرسم، واتجهت فيما بعد للرسم بالدهان على الجدران، وبدأت تجربة الفنانة العشرينية تنمو وتكبر إلى أن التحقت كمتطوعة بمشروع إنسان لترسم العديد من الجداريات التي مثّلت مفصلاً هاماً في تجربتها الفنية ومنها "بانكسي- دوما".

وانتقلت لينا فيما بعد إلى فريق "إيماءة" (EMA'A)، وهو فريق فني يعمل على إنتاج محتوى يصب في خدمة الثورة السورية ويعمل الآن على إنتاج فيلم "أنميشن" بعنوان "أنين" كما يعمل على إنتاج سلسلة من الأفلام التي تحكي قضية المعتقلين في سجون الأسد لتكمل رحلتها الفنية.

ومن خلال هذا الفريق أنجزت الفنانة الشابة العديد من اللوحات والجداريات التي شكلت مرحلة مهمة تالية من تجربتها ومنها لوحة "زفير" التي أنجزتها بوقت قياسي لتواكب الذكرى الرابعة لمجزرة الكيميائي التي نفذها النظام في الغوطة شرق دمشق، فجر الأربعاء 21 آب - أغسطس 2013، وراح ضحيتها المئات من سكان المنطقة بسبب استنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الأعصاب، كما أنجزت لوحة بعنوان "الشهيد" ولوحات أخرى أهدتها كما تقول لأرواح كل الذين رحلوا و بقيت ألوانهم تزين سواد الذاكرة.


ونظراً لوجودها ضمن بيئة محافظة جداً لم تتمكن ابنة "دوما" من الرسم على الجدران في الشوارع، فاكتفت بالرسم على جدران سطح منزلها، مستخدمة تقنيات وأدوات بسيطة ومن أهمها الريش والدهان التي تشتريها من مالها الخاص لعدم وجود من يدعمها في تجربتها الفنية. 

مع ساعات الصباح الأولى كل يوم تتسلّل العشرينية لينا من فراشها لتصعد إلى السطح –مكان إلهامها– وتبدأ برسم لوحاتها في لحظات من الخوف من أجواء الحرب والقصف، مشيرة إلى أنها كانت على وشك خسارة أعمالها التي اشتغلت عليها طوال السنوات الماضية ذات مرة بسبب قصف قريب من منزلها، لكن لوحاتها نجت بقدرة إلهية، وكان من الصعب –كما تقول- أن تجد تعبها وما أنجزته خلال سنوات وقد ذهب هباء بثوان.

وكشفت لينا أن علاقة خاصة تربطها بأعمالها ومع الفترة التي تقضيها في إنجازها تشعر أن هذه اللوحات قد تحولت إلى جزء من كيانها. 

من لوحات لينا لوحة "بانكسي في دوما" نسبة لـ"Banksy" وهو فنان غرافيتي إنجليزي مشهور رسم على الجدار العازل في الضفة الغربية لكسر الحصار عنها، وتمثل اللوحة طفلة تقوم بتجريد جندي من سلاحه وتكسيره وإعطائه وردة بدلاً عنه وهي -كما تقول- أكثر اللوحات تأثيراً في داخلها نظراً لأن الأطفال هم أكثر شرائح المجتمع التي ظُلمت في الحرب ولم يعيشوا طفولتهم كأطفال العالم، ونسوا ملاهيهم وألعابهم وصارت صور الحرب والدمار والسلاح والقصف هي الطاغية على حياتهم اليومية بدل السلام والأمان اللذين فقدناهما.

وتأسف الفنانة الشابة لتلاشي ألوان لوحاتها أحياناً بسبب مرور الزمن وظروف القصف، مشيرة إلى أنها غير قادرة على تأمين مواد حافظة للألوان بسبب ندرتها وغلاء أسعارها في الغوطة الشرقية، لافتة إلى أنها رسمت لوحة الشهيد منذ ثلاث سنوات ولم تتمكن من نشرها لأسباب خاصة لا تود الحديث عنها، وعندما توفرت لها فرصة نشرها كانت ألوان اللوحة قد بهتت، فاضطرت إلى رسمها من جديد وتصويرها ونشرها، وتستدرك الفنانة الشابة أنها تحب لوحاتها وتخاف عليها من ظروف الحرب والوقت والتغيرات التي تؤثر فيها، ولكنها لا تستطيع فعل شيء حيال ذلك. 


وحول طغيان اللون الأسود على عوالم لوحاتها وهل لهذا الأمر دلالة في ذاتها وفيما تريد قوله أوضحت لينا أن أغلب لوحاتها اتسمت بملامح الحزن لأنها تعكس الأوضاع والظروف التي يعيشها أهالي الغوطة الشرقية، مضيفة أن "هذه اللوحات هي نوع من التعبير عن الحداد على كل شيء مؤلم مرّ به محاصرو الغوطة الشرقية ولا يزالون. 

ولفتت ابنة دوما إلى أن الحصار والضغط والمعاناة التي تعيشها فجرت في داخلها مكامن التعبير وكانت الريشة واللون -كما تشير- أفضل وسيلة لإيصال هذه المعاناة وترك أثر يُذكر في مكان ما، فكل شخص -كما تقول- معرّض لأن يفقد حياته في هذه الأوضاع.

وبالتوازي مع تجربتها في الفن الغرافيتي أنجزت لينا فيلماً قصيراً للأطفال بعنوان "غيمة نجاة -عندما يكون الدخان وسيلة لصنع السلام"، وهو أول تجربة لها في الأفلام القصيرة المصورة، وجاءت فكرة الفيلم –كما تقول- انطلاقاً من سعيها لإيصال صوت الناس والأطفال المحاصرين خارج حدود الحصار، مضيفة أنها استوحت فكرة الفيلم من قيام ثوار حلب وأطفالها الذين لجؤوا لإشعال إطارات السيارات لحماية أنفسهم وأهاليهم من قصف الطيران الذي كان يستهدف مدينة حلب قبل احتلالها من قبل قوات النظام فتحولت هذه الإطارات إلى ما يشبه الغيمة التي تنقذ الأهالي من الموت والفناء.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(143)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي