لم يبذل المخرج السينمائي "جود سعيد" جهداً كبيراً في إضفاء طابع واقعي بالنسبة للمكان على فيلمه المسمى "مطر حمص"، فالدمار والخراب يملآن الأبنية والبيوت التي هجرها أهلها، وتتسيد الأنقاض الشوارع والأزقة التي كانت إلى عهد قريب تحتضن خطواتهم، وأُريد للفيلم كما زعم مخرجه وممثلوه وكلهم من الدرجة الثانية والثالثة أن يمحو آثار الحرب بـ"مطر حامضي" والادعاء بأن ثوار المدينة هم القتلة وليسوا الضحية.
وفيما لم يتسنَّ للكثيرين رؤية الفيلم الذي هللت له وسائل وقنوات إعلام النظام أظهر "برومو" مدروس بدقة أن الفيلم يحاول تكريس رؤية أحادية الجانب لما حصل في حمص بغياب أهلها، ويتعمد تشويه الحقائق على طريقة "نجدة أنزور"، وخاصة في أفلامه الأخيرة مدفوعة الثمن، وإيهام المشاهدين أن كل من كان في حمص القديمة "إرهابيون"، ومن مشاهد الفيلم التي يجتزؤها البرومو يظهر رجل وطفلان يركضون والموت يحيط بهم باحثين عن مأوى لهم في خضم الدمار والقذائف التي تنهار عليهم من كل حدب وصوب دون الإفصاح عن مصدر القصف.
ويُظهر مشهد آخر قناصاً –من المسلحين طبعاً- خلف كوة في أحد البيوت المدمرة وهو يصوب فوهة رشاشه إلى طفلة وكلب يركض خلفها فيقتلهما.
وفي مشهد تال يظهر أحد رجال الدين المسيحيين وهو يرفع يده في وجه أحد القناصين "السنة" الذي يسدد رشاشه على صليب بدا منقوشاً على باطن ساعده الأيسر "في إيحاء طائفي قذر"، وثمة مشاهد لمسلحات يزعم صانعو الفيلم أنهن يقاتلن إلى جانب ثوار المدينة وهذا أمر مجاف للحقيقة ولا أساس له من الواقع، ولم يثبت مقطع فيديو واحد من آلاف الفيديوهات التي انتشرت عن المعارك مشاركة الحمصيات بها خلال الفترة التي يزعم صانعو الفيلم تجسيدها.
وثمة مشهد لإمرأة غير سنّية مقيدة بحبل ومدلاة من رأسها إلى الأسفل خلف عدد من مقاتلي المعارضة في حمص وهم يتصدون لقوات النظام أثناء محاولتهم اقتحام المدينة القديمة وهو مشهد فانتازي بامتياز لا وجود له إلا في خيال مخرج الفيلم، وعلّق الناقد والصحفي "راشد عيسى" لـ"زمان الوصل" أن "جود سعيد" أنجز فيلمه "مطر حمص" بغياب أهل المدينة وعلى وجه الدقة بعد تشريدهم وتدمير بيوتهم، وارتكاب المجازر بحق أصحاب البيوت وهم غالبية سكان تلك المدينة.
وتابع "عيسى" أن سعيد "لا يخفي بل هو يتشدق بمناصرته لنظام القتل في سوريا، لذلك سيكون بديهياً أن يقدم رواية النظام، ويحتكر رواية الحرب، أو لعلّه يحاول". واستدرك الصحفي "العيسى" أن "جود سعيد" حقق فيلمه ذاك مسنوداً بدبابات وطيران النظام، تلك التي هيأت له ديكوراً سينمائياً يليق بروايته، وبالتالي لن يحاول الخروج عن النص المكتوب، وأردف "يبدو (سعيد) اليوم منسجماً ومتجانساً، وهو يعرض لجمهور المدينة الباقي، أما أهل المدينة الغائبون فهؤلاء لهم روايتهم وسينماهم، التي تتحدى الأيام، ولا يمكن تعفيشها".
بدوره أشار المسرحي السوري "يامن جدوع" إلى أن الفيلم محاولة لتغيير الحقائق وإظهار المسلحين بأنهم من يحاصر المدنيين ورجال الدين المسيحيين في المدينة والعكس صحيح.
ولفت محدثنا إلى أن "جود سعيد" في النهاية يمثل سلطة تجاهلت إبداع كبار كـ"خلدون ونبيل المالح" و"محمد ملص" صاحب أول فيلم قريب من الواقع السوري "سلم إلى دمشق" الذي أنتج بعد الثورة سراً، ومُنع من العرض في سوريا وبالتالي من الطبيعي أن تتماهى رؤية "سعيد" مع رؤية النظام وتزييفه للوقائع.
وأضاف "جدوع" أن الدراما والسينما أصبحتا ذاكرة الشعوب وصناع الأفلام هم كتاب التاريخ، مضيفاً أن الأجيال القادمة قد لا تتذكر سوى الأفلام والمسلسلات التي صُنعت بعد الثورة السورية.
وأردف محدثنا أن "شركات الإنتاج الموالية للثورة إذا لم تبادر إلى إنتاج أفلام ثورية قريبة من الحقيقة، وتخلّد قصص الثورة ومجازرها ودمارها ستكون الصورة الوحيدة التي يراها العالم بعد مدة هي فقط التي أنتجها النظام عبر أدواته".
وعبّر "جدوع" عن أمله في مشاهدة أفلام سينمائية تحكي الواقع المأساوي الذي عاشه الشعب السوري خلال سبع سنوات كي لا يسرق التاريخ منا ومن أوجاعنا.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية