أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من دير الزور.. فنان يستلهم التراث ويجسد "صدى النزوح" في أعماله النحتية

النحات السوري "أكرم سفان"

من ضفاف "الفرات" في مدينة دير الزور إلى جنوب تركيا حمل النحات السوري "أكرم سفان" ذاكرته المثقلة بالحزن والتشظي والشجن الإنساني والانتظار ورعشة الحياة ليمزج في كتله النحتية التي توزعت في العديد من المدن التركية ثنائية "المتخيل والممكن" و"الحلم والواقع المر الثقيل"، مجسداً من خلال فضاءاتها لحظات الشعور وومضات الذاكرة لتتفتح بين أصابعه عوالم تنطق بالتجاوز والإبداع والألم الشفيف.

ولد سفان في مدينة دير الزور عام 1967وسط عائلة فنية تهتم بالرسم والشعر والقصة والمسرح، ومن خلال هذه الأجواء تبلورت حياته الفنية التي بدأت برسم المناظر الطبيعية وجوانب من البيئة الفراتية ليتجه بعدها إلى المدرسة السوريالية التي ظل في كنفها عقدين من الزمن أقام خلالها العديد من المعارض الفردية وشارك في الكثير من المعارض الجماعية، واتجه بعدها إلى مملكته الأثيرة النحت ليتعامل من خلاله مع الكتلة بكافة خاماتها من الحجر والخشب والرخام الأبيض المعروف بـ"الديري" وكان الحزن -كما يقول لـ"زمان الوصل" محور أعماله تلك الفترة التي كانت مزيجاً من التأثر والتأثير والاندهاش والإدهاش –حسب وصفه- مضيفاً أنه كان بصدد التجهيز لمشروع عن علاقته بالأنثى بعنوان "عشتار أكرم تولد من جديد"، ولكنه لم يكتمل لأن الثورة ولدت آنذاك وغطت عما عداها.

وفي هذا السياق علّق الناقد "عيد المصطفى" أن سفان "أبدع للأنثى زمناً جميلاً بأعماله أخرجها من فكرة الكائن الضعيف والمستعبد في الوقت عينه إلى تلك الروح التي تعطي الأمل، حيث حلت ترافقها فراشة الفرح ترقص فوق انحناءات الجسد الشمعي المتحفز كخيل يعبر منحدرات الجبال".


بعد اندلاع الحرب لم يخرج "أكرم سفان" من دير الزور بل آثر البقاء فيها ما أمكنه ولأنه غير مسلح انتابه شعور بضرورة أن يفعل شيئاً لأهل مدينته وأن يقدم مساعدات إنسانية، سواء كانت في حفر القبور ليلاً لضحايا الحرب أو تأمين الطعام والشراب لأهالي المدينة المحاصرين، وآنذاك -كما يقول- مر بفترات أُرهق فيها جداً من مشاهدات الموت والحصار والجوع". 

بعد اشتداد وطأة الحرب ومحاصرة "دير الزور" لم يجد "سفان" بداً من الخروج منها فاتجه إلى مدينة الرقة وبعد عام عاد إلى مدينته وتمكن من الوصول إلى مرسمه الذي كان في منطقة خاضعة للنظام، ففوجئ به مسروقاً ومحروقاً، علماً أنه قبل خروجه –كما يقول- دفن أعماله في أرض المرسم، وبعد 8 أشهر من الحصار الثاني خرج "سفان" من المدينة ثانية باتجاه مدينة "معدان" بريف حلب وهناك ألقى تنظيم "الدولة" القبض عليه بتهمة الإلحاد باعتباره نحاتاً، لكنه تمكن بعد فترة من الهرب باتجاه الرقة والباب وسرمين و"خربة الجوز" ليدخل إلى تركيا في التاسع من أيلول سبتمبر/ 2015. 

يعيش "سفان" حالياً في ولاية "شانيلي أورفة" –جنوب تركيا- وهناك كافح الفنان الفراتي كثيراً لتأمين لقمة العيش وعمل في مجالات عدة ومنها البناء واستطاع تنفيذ مشاريع فنية، خاصة وأن يثبت وجوده بين الفنانين هناك، حيث أنجز -كما يقول- عدداً من الأعمال الجدارية في العديد من المدن التركية، وعمل على مشرع ضخم مستوحى من أحداث الحرب بعنوان "صدى النزوح" يعبر عن حالة التشرد والضياع التي يعيشها السوريون في كل بقعة من العالم، ويمثل المشروع الذي يتألف من 28 عملاً نحتياً حالات الوجع الداخلي للإنسان السوري، سواء كان في الداخل السوري أو الخارج، مجسداً حالات من هذا النزوح كما استقرأها وعايشها بذاته. 


وللفنان "سفان" تجربة في استلهام تاريخ الأجداد وصياغة ما نهب منه ومحاولة تجسيده على الجدران وحول هذه التجربة، وما لذي دعاه إليها أشار إلى أنه ينتمي إلى حضارة ما بين النهرين وحضارة الفرات ودير الزور الموغلة في التاريخ، وله باع طويل في تأمل هذا التراث واستلهامه، من الطبيعي أن يكون اهتمامه منصباً في هذا الاتجاه، وكان أول عمل له في هذا السياق عن التاريخ الآشوري في تركيا، مضيفاً أنه كتب معلقاً على هذه الأعمال "أينما نكون نؤكد من نكون ونثبت من نحن في هذا الاغتراب المرّ الثقيل".

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(211)    هل أعجبتك المقالة (237)

ابراهيم السليمان

2017-09-27

السيد الفراتي أكرم سفان فنان مفعم ومثقل بهموم الإنسان منذ بداياته التي عبر عنها بأعماله السوريالية التي نفذها على الورق المقوى وبألوان الكواش في بداية تسعينات القرن الماضي؛ في الوقت الذي كان كثير من الفنانين يبتعدون عن الفن الملتزم يفضلون رسم الأشجار والنهر أو الطبيعة الصامتة؛ وهناك من كان يتباهى بأنه فنان السلطة. أكرم سفان كان حالة شبه فريدة في ظل إنتشار الرقيب الأمني على أعمال المبدعين من أدب وفن تشكيلي أو مسرحي. لذلك ليس غريباً مايقدمه حالياً في غربته الإجبارية من أعمال تجسد الإنكسارات هنا أو الشموخ والعزة هناك..


المثنى سفان

2017-09-28

المبدع أكرم سفان ... حالة فنية راقية في زمن الفوضى والانكسار قل مثيله ... حفظك الله ورعاك.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي