مع حلول كل عيد يشرع الأهالي في مدن الجزيرة السورية وأريافها بالاستعداد للعيد عبر شراء الألبسة الجديدة للأطفال كأولوية وتأمين الحلويات، وهي صلب ضيافة العيد ويعتنون بشكل خاص بكعك العيد الأشهر وهو "الكليجة"، فالكليجة مع احتفال الأطفال وطوافهم على المنازل السمتين البارزتين لأعياد محافظات الحسكة ودير الزور والرقة.
*الكليجة ملكة موائد العيد
تقول زهرة (35 عاماً)، وهي سيدة من بلدة "تل تمر" شمال الحسكة: لا أشعر بقرب موعد العيد أو طعمة دون صناعة "الكليجة" في الأيام السابقة في بيتي حتى تفوح رائحتها في كل ركن من أركانه إيذاناً بقدوم اليوم السعيد، فتتسلل رائحتها إلى منازل الجيران وإلى أنوف المارة في الدروب فتذكر من نسي التحضير لها، وخاصة أ عيد الأضحى بسبب موعده الثابت يكون يوم الوقفة هو يوم إعداد "الكليجة".
تتابع قولها: "أجتمع مع نساء إخوتي وبعض الجارات نتساعد في إعداد العجين وتقطيعها إلى أقراص او مستطيلات قبل المباشرة في وضع الصحون داخل الفرن، وقد تذهب أولى الوجبات إلى أيدي الصغار قليلي الصبر وأفواه الذواقة من الجارات ورجال البيت فتقدم ليلة العيد مع الشاي".
وأمست ساعات إعداد "الكليجة" مناسبة لاجتماع تتخلله أحاديث طويلة بين الجارات والصديقات، كما هي مناسبة ملائمة جداً لاستعراض المهارات في صناعة أشكال العجينة عبر القوالب الخشبية أو البلاستيكية أو بصناعة العجينة على شكل ظفيرة، وتدور أحاديث طويلة حول أي النساء كانت مقاديرها دقيقة أو لذيذة على حد قول السيدة.
رغم التعب في إعدادها، ترى زهرة أنها لحظات جميلة تسبق العيد وتعطيه من لونها ورائحتها، التي باتت في أذهان أهالي الجزيرة تمثل رائحة العيد القادم، لذا يجب أن تعد ليلة العيد أو قبلها حتى تكون جاهزة تقدم للضيوف وأهل البيت في الصباح مع اللبن في وجبة الإفطار أو لوحدها مع الشاي في ساعات الضحى والعصر طوال أيام العيد.
وحول مكونات "الكليجة" تشرح زهرة أنها تبدأ بإحضار كمية كافية من الطحين تتناسب مع حجم عائلتها أو الضيوف الذين يتوقع حضورهم يوم العيد، فتمزج الطحين والسكر والحليب وتعجن هذه المواد بالسمن العربي (البلدي) مع الخميرة، كما تضيف إليها الخلطة الخاصة أو ما يعرف بـ "دوا الكليجة" ويسميها البعض "بهارات الكليجة" وهي عبارة عن مسحوق مكون من يانسون وشمرة وحبة البركة والقرفة وهال ومحلب، ومؤخراً باتوا يضيفون إليها "الفانيليا" و"البيكنج باودر" وقد تعجن بالكولا.
من جهتها، تروي السيد المسنة "سارا" (60 عاماً) وهي من قرية "صكيرو" شمال الرقة إن طريقة إعداد هذا الكعك كانت مختلفة، فاليوم تتجمع الفتيات والأمهات حول الأفران الحديثة وبجهد قليل تكون جاهرة وبأفضل المكونات التي دخل فيها السمسم وربما المكسرات والتمر وغيرها مما لم يكن يتوفر في الماضي.
أمّا في السابق – كانت السيدة سارا تقطعها دون قوالب بالسكينة على تختة الخبز (خشبة)، ثم تدهنها وجه القطع بالبيض لإعطائها اللمعة اللازمة ووقايتها من الاحتراق، قبل أن تضعها في التنور حتى تنضج ويبقى طعمها ورائحتها الفريدة بسبب الخلطة المخصصة، التي يعرفها أصحاب المتاجر في مدن الحسكة والرقة ودير الزور، فلا يتطلب الأمر سوى أن يقول الشخص لصاحب المحل "دوا كليجة" فيعطيك الخلطة جاهزة والكمية المناسبة.
وتضيف "حتى قبيل اندلاع الثورة كنّا نشتري ما يلزمنا بأقل من 50 ل.س فقط، وحالياً ذات الكمية سعرها تضاعف 10 مرات أي ما يقارب 500 ل.س إن توفرت".
وتعتبر الكليجة من أشهر الحلويات أو الكعك الذي يكاد يكون الوحيد الذي يصنع في العيد بالجزيرة السورية ودونها يبقى العيد دون رائحة وطعم، وتشترك بذلك مع العراق ودول الخليج العربي بوجوب وجود "كليجة" العيد، لكن شكلها ومكوناتها تختلف من بلد لأخر وأيضاً الروايات المنسوجة حول أصل التسمية فمنهم من يرى أنها مأخوذة من الفارسية وآخرون يقولون إنها تقابل كلمة "كليشة" لأنها تصنع بقالب معين، بينما توجد في المعاجم العربية كلمات قريبة منها إحداها "الكَيْلَجَةُ" وهي المكيال وأخرى "الكَلَجُ" وتعني الشدة والصلابة، لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الروايات صحيحة.
الحسكة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية