فارقت الطفلة "سارة" (9 سنوات) الحياة منذ أيام بعد تأخر علاجها وعدم إمكانية إخلائها خارج الغوطة الشرقية، بعد عام من إصابتها بورم في الخلايا العصبية لشبكية العين اليسرى.
ورغم استئصال الأطباء إحدى عينيها اضطراريا، عاد الورم ثانية وباتت "سارة" بحاجة لعلاج كيميائي بالأشعة وإلى جراحة عينية لإزالة الورم، ولكن أياً من ذلك لم يكن موجوداً داخل المنطقة المحاصرة.
الكثير من المناشدات لم تنفع لإخلاء "سارة" لتكون ثالث طفلة تموت في الغوطة الشرقية في الأيام الـ20 الماضية بسبب نقص العلاج وتعذّر إجلائها، حسب مدير قسم "المناصرة" في الجمعية الطبية السورية الأمريكية "سامز" الطبيب "محمد كتوب".
وأوضح "كتوب" في حديث لـ"زمان الوصل" أن الطفلة أصيبت منذ سنوات بمرض يدعى "Retinoblastoma" وهو عبارة عن ورم بسيط في شبكية العين ولديها-كما يقول- شقيقان توفيا بذات المرض، ما يشير إلى احتمال وجود عامل وراثي. ولفت إلى أن حالة الطفلة بدأت بالتفاقم العام الماضي، وتلقت مجموعة من العلاجات خارج الغوطة الشرقية حينها إذ كانت تضطر للخروج عبر الأنفاق إلى حي "برزة" الدمشقي مع أحد أفراد عائلتها حيث تتلقى العلاج في أحد المشافي المختصة وتعود من حيث أتت.
وأردف محدثنا أن الطفلة المتوفاة كان من المفترض أن تخضع لجلسات علاجية في مراحل زمنية محددة في شباط فبراير الماضي، ولكن مرضها تطور بشكل خطير وأدت الاختلاطات التي حصلت بعدها إلى وفاتها لاحقاً.
وقصة "سارة" المؤلمة هي جزء مما يُعرف بـ"ملف الإجلاء الطبي" المتعثر في الغوطة الشرقية الذي يحمل الكثير من المآسي، فبعد إغلاق الأنفاق والطرقات المؤدية إلى المنطقة بشكل كامل مع بداية هذا العام 2017 بات من المتعذر إخراج الطفلة لعلاجها خارجاً.
ولفت الطبيب "كتوب" إلى أن الكوادر الطبية والأهالي يعانون منذ العام 2014 من هذا الموضوع، فأحياناً هناك حالات بحاجة لعلاج متطور غير موجود في الغوطة بسبب الحصار، وقد يكون أساساً غير متوفر إلا في أماكن محددة أو في العاصمة دمشق، ما يستدعي إجلاء المصابين إلى بيروت أو إلى مشافٍ أكثر تطوراً من البلدان المجاورة.
ويضيف أن العلاج بسيط، لكنه غير متوفر في الغوطة الشرقية بسبب الحصار، مشيرا إلى حالات غسل الكلى التي كانت تتم في الغوطة الشرقية، وحتى بعد تحريرها لتوفر العلاج، ولكن فقدان مواد غسل الكلى وصعوبة تهريبها أو شرائها، لأنها محصورة بوزارة الصحة او منظمة الصحة العالمية جعل وحدة غسل الكلى عاجزة عن تقديم العلاج للمصابين بالفشل الكلوي، وثمة حالات يكون العلاج فيها دوائياً يُعطى عن طريق الفم، ولكنه ليس موجوداً أيضاً فيموت المريض بسبب ذلك.
ولفت "كتوب" إلى أن وجود سببين رئيسيين للإخلاء، إما بسبب البحث عن علاج متطور ونوعي غير متوفر أساساً في الغوطة الشرقية أو علاج ينقصه بعض المواد والتجهيزات المطلوبة حتى يكتمل وينقذ حياة المريض، وربما يكون هذا العلاج على بعد كيلومترات من الغوطة الشرقية، ولكن لا يمكن تأمينه بسبب إغلاق الطرقات والحواجز.
وأدى امتناع النظام عن إجلاء المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة إلى وفاة الكثير من أبناء الغوطة الشرقية، وأشار كتوب في هذا السياق إلى حالة توأم ملتصق بمنطقة القلب توفيا بسبب تعنت النظام رغم استعداد العديد من الهيئات والجهات الطبية في العالم عن استقبال هذه الحالة النادرة وعلاجها، ومنها -كما يقول محدثنا- العديد من المراكز والمستشفيات في الشرق الأوسط وأوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار كتوب على سبيل المفارقة إلى أن مهرباً للبشر أعلن استعداده عن إخراج التوأم خارج سوريا وإيصالهم إلى أي مكان في العالم مجاناً لأنه يمتلك إنسانية أكثر من نظام الاسد القاتل.
وثمة قائمة من 200 مريض ينتظرون الإجلاء الطبي لأسباب مختلفة ومعظمهم- كما يوضح محدثنا- يعانون أمراضاً مزمنة وليست ناتجة عن إصابات الحرب، وهي حالات ممكنة العلاج في الغوطة إذا توفرت المواد المطلوبة.
"كتوب" أكد أن 5 أشخاص فقط تم إخلاؤهم من بين القائمة الطويلة منذ بداية العام الحالي وأحدهم تم اعتقاله بعد إخلائه بأيام أثناء محاولة استخراج أوراق له وتوفي 3 منهم منذ بداية العام الحالي بسبب عدم توفر إمكانية لغسل الكلى قبل أن تُدخل الأمم المتحدة مواد العلاج بعد ضغوط شديدة، والآن يموت مرضى جدد واحداً تلو الآخر دون إمكانية تقديم شيء لهم.
وأعرب الطبيب عن أمله بأن يتم فتح الطرقات وإدخال المواد الطبية إلى الغوطة الشرقية وحينها -كما يقول- ستنخفض نسبة الذين يحتاجون لإخلاء إلى النصف، فالكثير منهم يمكن تقديم العلاج لهم من قبل الكوادر الطبية داخل الحصار بتوفر المواد والأدوات اللازمة، وهناك جزء أقل من النصف لا يمكن علاجه وهم بحاجة إلى علاجات متقدمة خارج سوريا.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية