لم تكن دمشق قبل سنوات الحرب تعج بالكم الكبير من الأطفال المشردين في شوارعها، وكان أهلها يجتمعون على طفل يبكي في الطريق حتى ولو كان كاذباً، وكان ضياع طفل في السوق يستنفر كل أصحاب المحال والزبائن، وتبدأ المساجد بالنداء عسى أن يصل الصوت إلى أهله أو يدل أحد عليه.
*هائمون صغار
لن تملك إلا الفزع كسوري عندما يبدأ المساء بالهبوط على مدينة تنام باكراً لأنها مقومات يقظتها بات يملكها القادرون على السهر، والعسكر، وحيث لا كهرباء في أحياء عديدة، وتصاعد لأعمال الخطف والسرقة، وعدم الأمان.
هنا في الشارع الهادئ وسط العاصمة ستجد أطفالاً هدّهم التعب فافترشوا رصيف فندق الشام أحد الفنادق ذات النجوم الخمسة، وتسأل نفسك ما الذي أوصل هؤلاء الصغار الذين تتجاوز أعمارهم بالكاد عشر سنوات للنوم هنا، ومن أين جاؤوا، وأين مؤسسات الدولة التي تملك ميزانياتٍ خصصت للحفاظ على هذه الأجساد الرخوة؟.
*مواطنون متعاطفون
المواطن السوري الذي لم يعد بوسعه إلا أن يحمي نفسه بأي ثمن من نتائج الحرب القاسية التي أنهكته مادياً ونفسياً، من يستطيع منهم حماية أسرته، فينظر إلى نفسه نظرة البطل، وأما ما يخص الصغار المرميين على الرصيف، فهو لا يملك إلا أن يتعاطف معهم، فالصور التي انتشرت على مواقع التواصل هزت ضمائرهم، وأثارت مشاعر السخط على أولي الأمر المتبجحين بحمايتهم وحماية أجيال تضيع في الشوارع وفي دروب الجريمة.
البعض استنكر وجود هؤلاء الصغار هنا..بدل أن يكونوا في مدارسهم وبيوتهم وقرب أهلهم، وآخرون عبروا عن اعتيادهم رؤية هكذا مناظر في الشوارع، وهناك أيضاً كما علق أحدهم نساء ورجال طاعنون في العمر مرميون في الحدائق وعلى الأرصفة.
ناشد آخرون من يملكون المال والسلطة بالتدخل لإعادة هؤلاء الصغار إلى حياتهم الطبيعية، وسيدة قالت إن تكلفة وجبة عشاء في فندق فاخر قد تنقذ طفلاً، وأخرى رأت أن وزارة الشؤون الاجتماعية تحتاج من يعيلها.
*من أين أتى هؤلاء؟
تحاول أطراف حكومية ومؤسسات النظام رفع المسؤولية عن كاهلها، وتتحدث عن حالات تسول منظمة، وأن أغلب هؤء الأطفال مدفوعون من قبل إما الأهل أو من يشغلهم للتسول.
أما الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها في أن أغلب هؤلاء هم من نتائج حرب النظام القاسية، وهم من نجوا من عائلاتهم أو هم من يتسولون ليعيلوا أمهات فقدن أزواجهن إما قتلاً أو اعتقالاً أو اختفاء.
بعض هؤلاء الأطفال يعمل في مهن قاسية للحدادة والعتالة، وبعضهم في مسح الأحذية، وقلة في السرقة وتسهيل الدعارة، وبعض الفتيات الصغيرات يتم استغلالهن في أعمال منزلية أو في بيوت الدعارة.
الأطفال الذين ساعدهم الحظ يعملون في محال تجارية في أسواق العاصمة، وآخرون في بيع الملابس وصيد الزبائن وهؤلاء محسوبون على عمالة الأطفال وليسوا متشردين.
*في جانب المسؤولية والقانون
القانون السوري لم يكن على مستوى المشكلة فهي في السابق لم تكن تتعدى كونها ظاهرة أما اليوم فهي معضلة ومسؤولية وطنية فهؤلاء في أغلبهم من الأيتام والمستغَلين، ولا يوجد في القانون ما يحميهم سوى الدور المناط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي لا تملك البنية التحتية لإيوائهم وفق إمكانياتها الحالية، وهؤلاء يحتاجون إلى ما هو أهم من الرعاية الاجتماعية فهم بحاجة إلى مختصين نفسيين، وأطباء يشرفون على أمراضهم التي نقلتها لهم الشوارع وعلاقاتها.
أحد أساتذة كلية الحقوق يرى من جانبه "أن هناك تقصيراً من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في موضوع إحداث جمعيات لرعاية الأطفال المتسولين دون العاشرة من عمرهم، معتبراً أن هناك نقصاً تشريعياً في هذا المجال".
الخطر الأكبر من هذا التشرد هو أن الكثير من هؤلاء يتم استغلالهم واقتيادهم إلى الجبهات من قبل أغلب المتصارعين في سوريا.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية