قاطعت المهرجان و حملت حقائبي نحو العاصمة مشفقة على الأستاذة المحافظة التي قلت لها أني لا أتمنى أن أكون في موقفها الحرج هذا
سحر قسنطينة، تلك المدينة العاشقة في كبرياء...و علم الجزائر الذي توشحته أمس وأنا أقرأ في احتفالية أول نوفمبر بمقام الشهيد حين عانقت القلم الحر الأبيّ في حضن والدتنا السيدة الوزيرة الأديبة زهور ونيسي وفي حضور كبار الوطن والأدب....
جماليات ما تزال ندية في ذاكرتي رغم مرارة التجربة في المهرجان الوطني للشعر النسوي بقسنطينة.
هذا المهرجان - الذي كانت السيدة منيرة سعدة خلخال محافظة له - كان يملأ الصحف تبشيرا بإرهاصات لمتَنفّس
منتظر لاحتكاك الأقلام الإبداعية النسوية في الجزائر، كان منبرا يرجى منه أن يعلي تاء التأنيث إلى مصاف الاستحقاق الأدبي، و كان شعاره " و حملن القلم.." ينبئ بالكثير من الإبداع.
لكن...!!!!!
منذ وصولي إلى الإقامة بقسنطينة و أنا ألاحظ أن المهرجان ما هو إلا فسحة أخرى للوصاية على الأدب النسوي ( بتواطئ ذكوري أنثوي) بوضع سُلَّم أدبي للأقلام المبدعة في طبقات أدبية تُعامَلُ على ما يوافق مقتضياتها ، لكن معاييره لم تكن تمت للإبداع الأدبي بصلة ، وكل ما استطعت أن ألحظه أن المهرجان كان يبحث له عن أصداء إعلامية بمحاباة ما.
لو تكلمت عن الإقامة و ظروفها التي لا تليق بقسنطينة مدينة الكرم و العطاء لقيل عني متكبرة، لكني لطالما كنت أظن أنه يجب أن : "تمد لحافك على قد رجليك" و قدر قسنطينة أن تكرم ضيوفها لأن الغرفة التي وجدتني فيها- و كانت شريكتي فيها خالدية جاب الله - لم تكن تشبه إقامةً مقبولة ناهيك عن أن تليق بأميرتيْ الشعر (كما أسمتنا السيدة منيرة سعدة خلخال)، ولا أظن الأمر متعلقا بصديقتي (الأميرة) خالدية لأنها عوملتِ كأميرة للشاعرات فعلا حين افتتحت مهرجان القراءة، وتبوأت مرتبة الكمال في مقامها الأدبي بالمهرجان، و الإنساني - الذي أشهد لها به - لكنها لعنة " المصلوب" التي تلاحقني و لا تريد بعض المثقفات غفرانها لي، أصابتها مثلي في تلك الإقامة التي بعد احتجاج غُيِّرت على مضض..." و بعض الشر أهون من بعض"، وأذكر كيف كانت رفيقات الشقة الجديدة يُرحَّب بهن (لنفوذهن الإعلامي) في مقام الكرم ذاك، بينما أميرات الشعر كنّ هناك في خم ما في الطابق السفليّ، و إني لتأبى عليّ كرامتي أن أحدثكم بما كان يقال عن تكبري وتعجرفي بسبب موقفي هذا، ورحم الله جدي"هين الضيف يدوا ( يهرب)".
هذا التمييز لم يكن ليمر من غير ملاحظة ولم تغضِ الطرف عنه إلا من خدمها أو من استحيتْ، و كُثْر من المبدعات انصرفن منذ أول يوم مما سمعن و رأين، وقاطعت أخريات بعدهنّ، و إني إذ قاطعت المهرجان و حملت حقائبي نحو العاصمة كنت أشفق بجدية على الأستاذة المحافظة، و قد قلت لها أني لا أتمنى أن أكون في موقفها الحرج هذا، رغم أنه كان يمكن تفاديه بمجهود بسيط يعمد إلى المساواة والحيادية بين الشاعرات (أو"الشواعر" على وزن "عوانس " في الدلالات الرمزية التحليلة الجديدة في خطاب التأنيث)، لأنهن بالأصل استُدعين للوقوف على جديدهن الأدبي وإثراء معارفهن الجمالية على مستوى الكتابة وليس لـ "التحواس و الماكلة " كما قيل...
من وجهة نظري الشخصية رغم أني "..لم يسلّط عليّ الضوء إلا بعد أمير الشعراء.. و أدين لأمير الشعراء بهذا " فالمهرجان فشل إنسانيا قبل أن يفشل أدبيا
صدقا صرت أتساءل جديا : هل نظرية "هشاشة القلم النسوي " كما يحاول كثير من الأدعياء أن يؤكده هو محض تقرير للواقع المرير في راهن الشعر النسوي الذي لا أرى مهرجان قسنطينة يمثله؟
ثم لي أن أتساءل أيضا عن الهدف من تنظيم المهرجان، هل هو كشف مواهب الكتابة الشابة باحتكاكها مع الأقلام القامة - التي لم أدَّعِ أني منها حتى لا يؤتى كلامي من هنا- وخلق روح للتنافس الأدبي المشروع، أم هو الكشف عن النقايص البشرية خلف ستار الإبداع؟
لعل ثمرة المهرجان تحيلنا إلى الجواب الذي يبدو إشكالا في حد ذاته ، فقد كان من كرامات المهرجان أن تُوِّجَ بباكورة موسوعية في معالجة خطاب التأنيث في الكتابة الشعرية بالجزائر،ليطلع علينا الدكتور يوسف وغليسي بكتابه (خطاب التأنيث: دراسة في الشعر النسوي الجزائري و معجم لأعلامه)، و يستفز البحث الأكاديمي بتقسيم الشاعرات إلى "شواعر الجزائر" و"شاعرات أخريات" ورغم أني حاولت أن أجد له مخرجا منهجيا لكني لم أستطع لأنه فعلا تقسيم مخالف لكل منهج معتبر في البحوث الأكاديمية إلا إذا كان الصنف الثاني منهن ليس جزائريا!!! هنا يحدث الانزلاق لأن كتابه " الموسوعي" بالأساس يُعنى بالشاعرات الجزائريات و لا أظن أن هذا هو المراد، أو أن يكون تقسيمه تصنيفيا باعتبار الوجود في الساحة الأدبية فتكون عنونته لا علاقة لها بهذا المعنى رغم أنه كأنْ يريدُ ذلك، فمالذي حصل للدكتور وغليسي حتى نزع جبة المنهج الأكاديمي وهوى في دركات السرعة السحيقة بعيدا عن أسس البحث المنهجية؟؟؟، سيما حين يتعرض لبعض الشاعرات بالحديث عن تفاصيل حياتهن الشخصية والعاطفية بما يخل بصلب موضوعه وبحثه- بل و إنسانيته-، أو حين يكون تحليله للشخصية الأدبية للشاعرة مجرد تلخيص لقصيدة يتيمة بين يديه، و يتحجج بأن لم يكن بين يديه غيرها (مجهولة الهوية الأدبية) مع أنه- وهو ابن البحث الأكاديمي و التحقيق العلميّ- كان يستطيع - وهو ابن جيل التكنولولجيا - أن يحصل على أي قصيدة (لي على الأقل) - جيدة ورديئة، قديمة وحديثة- بضغطة زر واحدة على الإنترنت، ورغم أن أستاذي الفاضل أثنى عليّ في كتابه (بما أنا أهله) من تشريف للجزائر أدبيا و أخلاقيا بأمير الشعراء إلا أنه لم يكن ليسعدني شخصيا أكثر من أن يهدي إلي عيوبي الأدبية ويقدم قيمة مضافة لقلمي الغض الذي لا يريده أن يجعل منه قمرا شعريا، ولكن يريد منه أن يعامله بنفس مستوى الاحترافية المعتادة لباحث وأديب عرفناه يحترم قوانين البحث العلمية وقواعده، هذا ما أريده سيدي ولم أرد محض رأي شخصي لا يستند إلى دراسة لأبجديات الكتابة الشعرية في النصوص حين تُلخّص الذات الشاعرة في قصيدة واحدة... حاولت بصدق التواصل مع الأستاذ لتجلية ذلك، فاتصلت به لكنه لم يكن يرد على اتصالاتي فعمدت إلى كتابة رسالة نصية على التلفون يبدو أن صدمتي فيها صدمته .
ثم يفاجئني - و كنت أعرفه كبيرا خلوقا- حين يمنّ - من على منصة المخاطبة - على الشواعر اللواتي " لم يعرفهن قبل " بأن أدخلهن قبة التمجيد الأدبي بذكرهن في كتابه،، و ليت الأستاذ الفاضل أعفانا من هذا المجد إن كان على شاكلة " سقطات الخطاب الذكوري في معاملة خطاب التأنيث"، لأننا في نهاية الأمر حين نقرأ ذبذبات قلمه الفاضل في الطرح لا نشعر بما سماه " غيرة أخواتية " بل نشعر بأسف على وغليسي الإنسان ووغليسي الأكاديمي ووغليسي الأديب الذي طالما كنت أشعر بجدية حرفه الفذ علميا وأدبيا.
الإبداع في النقد أن يُقدم للناس قلم أنثوي جدي مهتم بوجع الكتابة النسوية بكل تفاصيلها الجيدة والرديئة، يدرس ملامحه بما يليق به مقام الطرح أدبيا وأخلاقيا، فإن لم يسعه الوقت وكان العمل سريعا (كما قلتَ) فإنا نفهم أن هذا العمل الجبار يحتاج عقودا من البحث عن قاعدة عمل أدبية موثقة ويحتاج إلى بذل جهد في فهم العمق الأدبي لكل شخصية من الشواعر، لكننا لا نعذره فقد حصرم قبل أن يزبب، هلا تريث حتى لا يسقط هذه السقطة، هلا كان الدكتور وغليسي كما نعرفه جميعنا؟
الغريب بعد هذا أن يتأسف أستاذنا أنْ جمع في الكتاب (من هب ودب) ويهدد أنه في الطبعة المقبلة سيحذف أسماء من الموسوعة وربما لمّح إلى بعضها، لا أملك هنا إلا أن أتحسر عليه كشاعرة لم يعرفها إلا أمس!!... فإن طبيعة الأشياء التعاقب تجديدا... ومنطق الحياة أن الجديد لا تُعاب عليه جِدته بقدر ما يعاب على القديم رفضه له وأنه لا جميل في ذمتي لأستاذنا أن ضمّنني في "موسوعته" ولا منقصة له عليّ إن حذفني منها، و أنه ليس وصيا على قلمي ليمنحني استحقاق لقب شاعرة مرة و يحذفه أخرى ومعيب عليه جدا أن يظن أنه يملك من زمام التاريخ هذا، ولم يكن مطالبا بالأساس أن يتولى مهمة _البابوية الشعرية _ لأن الجنة الأدبية ليست ملكه ولا الجحيم، وفي النهاية أنا شاعرة من شاعرات هذا الوطن الأبيّ ولا أنتمي إلى موسوعة الوغليسي بل أنتمي إلى موسوعة الجزائر... وأدين لأمير الشعراء أن عرف أستاذي الفاضل الدكتور وغليسي بي لأنه فعلا كان يحتاج إلى برنامج ضخم كأمير الشعراء ليعرفني أدبيا...
لي سؤال أخير "هل كان أستاذنا الفاضل سيبحث بنفس المنهجية لو كان التحليل للخطاب الذكوريّ؟"
أم كان سيعمل حسابا لموازين القوى وكمال الأجسام؟؟
في كل الأحوال كل همي على بلدي العامر بأقلام نسوية جيدة ( جديدة وقديمة) تحتاج أن توثّق بما يليق بها كفاعل أدبي بدون اعتبار تائه المؤنثة، وعلى اسم كبير كالدكتور وغليسي وعلى قلم جاد كقلمه ،،، لأنه فعلا أكبر من هذه السقطات وواثقة من أنه سيتجاوزها، وبصدق لا أتحامل عليه لأني تعلمت منه كثيرا هي فقط غضبة للقلم الأنثوي المجروح.
*صحفية وشاعرة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية