تحت أشعة الشمس الحارقة في مدينة "تلبيسة" الواقعة في ريف حمص الشمالي يبدو الشاب "كمال الخطيب"، وهو يجلس أمام إطار حديدي يحاول تثبيت إحدى زواياه ليقوم بلحامه بيده اليسرى المصابة، فيما بدت يده الثانية مبتورة من الكتف جراء إصابة تعرض لها منذ سنوات.
ويجهد الشاب الثلاثيني (أب لثلاثة أطفال) أن يعمل رغم ظروفه الصحية الصعبة لتأمين قوت عياله متغلباً على اليأس بالأمل في ظروف الحصار الصعبة التي تعيشها مدينته.
درس "كمال الخطيب" (32) سنة ثانوية صناعية، ولكنه لم يتمكن من متابعة دراسته لأسباب خاصة، فاضطر للتوجه إلى عمل صعب وهو الحدادة الذي كان مهنة والده، وافتتح محلاً بدأ العمل به، ليكسب قوت يومه ومع بداية الثورة على النظام انضم مثل الكثير من شبان المدينة إلى المظاهرات السلمية، وفي عام 2012 تعرض الحداد السوري لإصابة في يده اليسرى أدت إلى نقص في العظم وتمزق في المفصل.
ورغم ذلك تابع حياته الطبيعية بعد أن أجرى لها ثلاث عمليات جراحية -كما يروي لـ"زمان الوصل"- مضيفاً أنه تعرض في شهر أيار مايو/2015 لإصابة أخرى قلبت حياته رأساً على عقب وحينها -كما يقول- كانت المدينة تُقصف بكافة أنواع الأسلحة فسقط بالقرب من محله برميل متفجر ألقته إحدى طائرات النظام المروحية، وأدى لبتر يده اليمنى من الكتف.
وتابع الشاب المصاب أنه تأثر وحزن كثيراً لفقدان يده التي كانت تساعده في عمله، ولكنه سلّم أمره لله وعاش بعدها فترة علاج ونقاهة وضغط نفسي، ولم يجد الشاب المصاب بداً من العودة إلى حياته الطبيعية والوقوف والعمل من جديد نظراً لأن لديه أسرة وأطفال يحتاجون من يعيلهم، وفعلاً أعاد فتح محله ثانية متحدياً الصعاب وظروف إصابته وبعد شهر ونصف –كما يقول- بدأ الطيران الروسي بالقصف على مدينة "تلبيسة" التي كانت أول مدينة في سوريا تتعرض للعدوان الروسي. وارتكب هذا الطيران حينها -كما يروي- مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 30 مدنياً، وتعرض هو لإصابة في خاصرته اليسرى، وأدى الصاروخ إلى تدمير محله وإتلاف أدوات عمله، وبعد شفائه من الإصابة بدأ يفكر بطريقة للعودة إلى عمله بعد أن خسر كل شيء.
وأردف محدثنا أنه طرق آنذاك أبواب الجمعيات الإغاثية والمنظمات الإنسانية، دون جدوى ولم يجد بداً من العمل مع شقيقه في مجال الحدادة مجدداً بيد مصابة وأخرى مبتورة، وكان الأمر بمثابة تحدٍ بالنسبة له لأن مجال الحدادةر–كما يقول- صعب جداً ويحتاج إلى قوة بدنية واستخدام للأطراف.
وتحوي هذه المهنة أدوات خطيرة إذا لم يُحسن استخدامها كـ"صاروخ الجلخ" والمثقب" و"لحام الكهرباء"، وهي أدوات صعبة لمن يملك يدين، فكيف بمن لا يملك سوى يد واحدة ومعطوبة هي الأخرى، ومع ذلك –كما يقول- أصر على العمل في الحدادة اتقاءً لذل الحاجة والسؤال.
وتمكن من تحدي ذاته والوقوف والعمل من جديد في نفس مجاله، ليكسب قوته وقوت أطفاله الصغار وخصوصاً لديه طفلة في السابعة من عمرها لديها ضعف نمو حاد وهي بحاجة لعلبة دواء بشكل شهري لا يقل ثمنها عن الخمسين دولاراً.
ولفت الشاب الثلاثيني إلى أن بعض الناس من زبائنه يشككون في قدرته على إنجاز أعمالهم والبعض منهم ينظرون إليه نظرة شفقة فيما يعجب آخرون بإصراره وتحديه لنفسه والعمل في مجال شاق كي يحتاج لأحد.
وأعرب الشاب المصاب عن أمنيته بتركيب طرف صناعي ليده المبتورة لتساعده في عمله أو أن يجد عملاً أقل صعوبة من عمله في الحدادة يكسب منه قوت يومه متمنياً من المنظمات الإغاثية والإنسانية أن ينظروا لأهالي "تلبيسة" نظرة اهتمام فهم يعيشون تحت وطأة الحصار وقلة المساعدات وغلاء الأسعار.
وحاول كمال -كما يقول- أن يتواصل مع منظمات أو مشاف لمساعدته في تركيب طرف صناعي دون جدوى، مشيراً إلى أن تركيب هذا الطرف يحتاج منه الانتقال إلى الشمال (تركيا)، ولا يمللك تكاليف السفر، علاوة عن خطورة الطرقات، علماً أن الطرف الذي بحاجته -كما يقول- مرتفع التكلفة لكون حالة بتره من تحت الكتف بـ 10 سم، كما يحتاج لجهاز تثبيت يمنع تحرك المفصل في يده اليسرى التي يعتمد عليها في عمله الشاق.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية