أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يغامر لبنان الرسمي والمليشيا الصفراء بقبول مغادرة "التلي" في صورة تعيد إلى الأذهان خروج "عرفات"؟!

"التلي" ليس "عرفات" قطعا، وسلوك "التلي" لم يستطع أن يجلب له ولو عشر معشار التعاطف مع "عرفات"

عاد القيادي البارز في "جبهة تحرير الشام" النصرة سابقا، أبو مالك التلي، إلى واجهة الأخبار بقوة، بالتزامن مع قرار تسخين ملف "عرسال" والجرود، الذي اتخذه لبنان الرسمي بتنسيق مع نظام بشار الأسد ومليشيا "حزب الله"، يكشفه تحرك جيش لبنان بتشجيع من المليشيا نحو "عرسال" على وقع هجوم لقوات النظام مدعوما بمرتزقة "حزب الله" ضد المناطق الخارجة عن سيطرته في منطقة القلمون السورية.

ومن هنا يبدو واضحا أن مليشيا "حزب الله" هي "القاسم المشترك" على طرفي العملية الاستئصالية في لبنان وسوريا، فهي في لبنان تتحرك على المسار السياسي والإعلامي لإظهار ما تسميه "دعم الجيش" الذي سبق وحاربت تطويره بشتى الوسائل، بل ما زالت تتحفظ على وجوده في معاقلها الرئيسة الخارجة عن سلطة "الدولة اللبنانية"، أما في سوريا فالتحرك عسكري مع النظام يدا بيد، من أجل إطباق فكي القلمون وعرسال على ما تبقى من مهجرين شردهم النظام والمليشيا، ويريد إجبارهم على العودة إلى حضنه كرهاً.

وفي هذا السياق تحركت وسائل إعلام معروفة التوجهات في لبنان وخارجه، من أجل رش مزيد من الزيت على النار، متوعدة باقتراب "الحسم" في عرسال بل وفي القلمون السورية ذاتها، عطفا على ما سمته فشل المفاوضات الهادفة لانسحاب "التلي" ومقاتليه من جرود عرسال، حيث نُقل عنه رفض "الاستسلام" وتوعده بمواصلة "القتال"، منبها إلى أن ذلك لا يعني إغلاق باب التفاوض.

وتفاوض لبنان الرسمي، ومليشيا "حزب الله" مرارا حول العديد من الملفات مع "التلي"، وفي مقدمتها ملف المحتجزين من جيش لبنان والمليشيا، ولكن التفاوض هذه المرة يأتي مختلفا إلى حد كبير، إذ يعتقد الجيش والمليشيا أنهما باتا في وضع أقوى لفرض ما يريدون على "الجبهة" وزعيمها الأبرز في الجنوب السوري، بعد أن كان "التلي" هو من يفرض شروطه -إلى حد ما- في الماضي.

"التلي" يتحدر من مدينة "التل" الواقعة في منطقة القلمون، هذه المنطقة التي تعد الآن محط تركيز النظام ومليشيا "حزب الله" من أجل الإجهاز على ما تبقى فيها من بلدات، وإعادة جرودها الوعرة إلى سيطرته، حتى يغلق أي منفذ يمكن لعناصر "التلي" أو غيرهم أن يتحركوا من خلاله، ويضمن تاليا عودة قسرية لكل أو معظم من لازال في مخيمات عرسال نحو مناطقهم المحكومة بأصحاب الراية الصفراء، ممن يستمدون الدعم والتعليمات المباشرة من نظام ولاية الفقيه في طهران.

وحسب التقارير الإعلامية، التي تشتم منها بوضوح نبرة "حزب الله" وجيش لبنان، فإن "الحل العسكري بات الخيار الوحيد"، في مواجهة واقع السوريين اللاجئين إلى عرسال، تحت ستار مواجهة "النصرة" ومحاربة "التلي".

ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الكشف عن السبب الحقيقي الذي أفضى إلى رفض "التلي" للانسحاب من جرود عرسال، لاسيما أن مختلف التقارير السابقة كادت تجمع على أنه كان يطالب بضمانات لانتقاله وعناصره نحو إدلب، إنما عبر تركيا، وليس مرورا بالمناطق السورية التي يسيطر عليها النظام، وتنفيذ هذا الطلب يعني أمرا واحدا، هو إخراج "التلي" ومن يرافقونه عبر مطار بيروت، أو مينائها البحري في أبعد تقدير.

وبغض النظر عن الموقف من "التلي" وكثير من تصرفاته التي جرت عواقب غير حميدة على مناطق كانت تحت إمرته وسيطرته، وخصوصا إصراره لفترة طويلة على عدم الصدام مع عناصر التنظيم في وقت كان الأخير يقتل وينكل بعناصر "النصرة" في مختلف المناطق السورية.. بغض النظر عن تاريخ "التلي" هذا، يبدو التصور الذي طرحه الرجل اختبارا قويا ويتمتع بالدهاء والحزم إلى حد بعيد، فقبوله صعب جدا على جيش لبنان ومليشيا "حزب الله" بالذات، بل إنه سيكون بمثابة "تجرع السم" الذي سبق للخميني أن أقر به عندما رضخ معلنا إنهاء حربه المدمرة مع العراق.

ومن جهة أخرى، يبدو رفض "جيش لبنان" والمليشيا لشروط "التلي" نوعا من المغامرة بأرواح مزيد من عناصر الجيش والمليشيا في متاهات الجرود، وهذه المرة على أرض لبنان، وبمشاركة عناصر لبنانية من المنضوين تحت إمرة "التلي"، ما قد يمهد لاحتقان وتوترات في مناطق لبنانية مختلفة، لا يشجع الظرف الحالي على تحمل تبعاتها، رغم كل ما يطفو على السطح من "تأييد" لتحركات الجيش ودعم لـ"قراراته"، ورغم كل ما يقال عن تسرب الضعف إلى "التلي" وعناصره.

وفيما يركز البعض على استحالة نقل زعيم الجبهة وعناصره وعوائلهم بالطائرات عبر مطار بيروت، باعتباره طرحا خياليا، تبدو الموافقة على خروج "التلي" ومقاتليه على ظهر سفينة من ميناء بيروت أمرا أكثر استبعادا، لاسيما أن هذا الخروج -إن حصل- كفيل باستدعاء صورة لايحب "حزب الله" أن يراها مرة أخرى، وهو الذي يحارب طوال عقود لمحوها من المخلية اللبنانية، والعربية، والفلسطينية تحديدا، باعتباره –أي حزب الله- صاحب الوكالة الحصرية والأصلية لـ"مقاومة إسرائيل".

ونعني بهذه الصورة صورة إخراج الزعيم "ياسر عرفات" ومقاتليه من لبنان عبر ميناء بيروت عام 1982، وهو للمفارقة (المفارقة البحتة فقط!) عام إعلان وظهور مليشيا "حزب الله" على الساحة.


ومع الأخذ بعين الاعتبار كامل الفروقات بين صورتي الخروج من بيروت (خروج عرفات النهائي، وخروج التلي المحتمل) فضلا عن الاختلافات العميقة بين الشخصيتين والقضيتين والظروف المحيطة.. مع أخذ كل ذلك بعين الاعتبار، يبقى هناك ثابت واحد ومشترك لايمكن تجاوزه ينطوي عليه إخراج "التلي" من بيروت عن طريق مينائها، وهو التأكيد على أن "لبنان-الكيان" لم يكن ولن يكون يوما متسامحا نحو أي تمدد "سني" ولو قيد أنملة، أياً تكن طبيعة هذا التمدد أو منطلقاته، ولن يتساهل يوما مع أي بندقية تحملها أي يد "سنية"، وهو المتغاضي دوما وأبدا عن المدافع بأيدي الطوائف الأخرى.

وبالمحصلة فإن "التلي" ليس "عرفات" قطعا، وسلوك "التلي" لم يستطع أن يجلب له ولو عشر معشار التعاطف مع "عرفات"، ولكن خروجه من بيروت –لاسيما مينائها البحري- يمكن أن يعيد إنتاج صورة 1982، عندما كان المُستهدف نفسه (التشكيل السني المسلح)، وكان المتواطئون أنفسهم وإن تغيرت الوجوه والمسميات.

إيثار عبدالحق- زمان الوصل-خاص
(147)    هل أعجبتك المقالة (158)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي