استمرت إدارة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذاتية في التسويق للزواج المدني بين سكان مناطق سيطرتها شمال الحسكة، فيما لا يزال هذا النوع من الزواج يقتصر على أنصار الحزب بسبب عدم استجابة الأهالي لدعواتها.
وذكرت البلدية التابعة للحزب الكردي في مدينة "رأس العين" أنها سجلت عقد زواج مدني جديد يوم السبت لشاب وفتاة في مكتب عقود الزواج لديها بحضور الشهود، وقالت إنها منحتهم "وثيقة الحياة المشتركة".
وتعتبر حالة الزواج هذه إحدى مئات الحالات المسجلة لدى الإدارة الكردية خلال السنوات الخمس الماضية في مناطق سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" شمال سوريا، في حين كان لقرار منع تعدد الزوجات أثر سلبي على تماسك عشرات العائلات بعد شكوى تقدمت بها نساء ضد أزواجهن أدت إلى طلاق صاحبات الشكاوى بشكل نهائي.
وتنص قرارات هذه الإدارة بخصوص المرأة على إلغاء المهر باعتباره قيمة مادية هدفه استملاك المرأة،على حد وصفها، ويحـل محلـه مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية، وعلى تنظيم صكوك الـزواج مدنيا، ومنع تعدد الـزوجات، وهذه ثلاث نقاط من أصل 32 نقطة أثارت تحفظات الأهالي لتدخلها بالأحوال الشخصية، التي كانت متروكة حتى في قوانين سوريا لأحكام دين المتزوجين.
وحول هذه القضية، قال الحقوقي "زياد الأحمد" لـ"زمان الوصل" إن القرارات التي تصدرها الإدارة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذاتية تعتبر قرارات باطلة لأنها لا تستند على أساس قانوني أو دستوري، ولا يمكن تطبيق هذا القانون إلّا على حالات فردية، مضيفاً أن القرار أصلاً صادر عن سلطة أمر واقع فرضت نفسها بقوة السلاح وغير شرعية لا يحق لها إصدار قوانين على أراضي الدولة السورية.
الأحمد، وهو الناطق باسم "الحركة الوطنية لأبناء الجزيرة" أيضاً، أضاف أن سكان المناطق الخاضعة لهذه السلطة بمعظمهم من العشائر لها أعراف وتقاليد، مشيراً إلى أن عناصر حزب "الاتحاد الديمقراطي" المسلحين أنفسهم يذهبون إلى محكمة شرعية بمدينة الحسكة تابعة لحكومة النظام لتسيير معاملات زواجهم، لأن محاكم الإدارة الكردية لا تملك أحوالا شخصية ومدنية، فلا يستطيعون إصدار هويات وبطاقات عائلية ولا أي مستند قانوني معترف به.
وفي تعليقه على مسألة الزواج، أشار أحمد وهو إمام مسجد يحمل إجازة في الشريعة من جامعة دمشق إلى أن طريقة "الزواج المدني" الذي تروج له "الإدارة الذاتية" محدودة الاتباع بين سكان محافظة الحسكة، لأنها تقتصر على بعض أتباع حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) المعروفين بـ"الآبوجية" والمؤمنين بأفكار منظريه، لافتاً إلى أن غالبية السكان من العرب والأكراد يحرصون على "عقد القران" لدى شيخ خارج إطار كل القوانين الأخرى، فهم يقدمون الدين في مسألة الزواج حتى على الأمور القانونية في المحاكم النظامية، وربما لا يثبتون زواجهم لأشهر أو لسنوات.
وقال أحمد (40 عاماً) إن العقد لدى الملّا (رجل دين) مهم جداً ومقدم على كل شيء لدى الأهالي، مضيفاً أن الدوائر والمحاكم المتعلقة بهذه الأمور كالنفوس ومحكمة الصلح تعمل حالياً بالمدن الخاضعة لسيطرة قوات الإدارة الذاتية المتعددة.
ومع بداية سيطرة مسلحي حزب "الاتحاد الديمقراطي" على مدن وبلدات شمال الحسكة عام 2014 أغلقت محكمة الصلح في مدينة "رأس العين"، وهي المحكمة التي توثق الزواج ونقل الملكيات والأراضي وغيرها من المعاملات، لكنهم أعادوا فتحها لعدم قدرتهم على تسيير مصالح الناس ولعدم رغبة الناس بالذهاب إلى مدينة الحسكة لتثبيت هكذا حالات وخاصة أنها كانت خاضعة لسيطرة قوات النظام، وفق أحمد.
وذكر المصدر أن الإدارة سمحت فيما بعد بفتح دائرة النفوس أيضاً إلى جانب المحكمة عام 2015 بعد سنة من الإغلاق كان الأهالي يذهبون خلالها إلى مركز المحافظة لإنهاء معاملاتهم.
وحول كيفية ثبيت معاملات الزواج واستخراج الوثائق المتعلقة بها، يقول "مجد الدين المردلي" إنه تزوج بمدينة "ماردين" التركية بعد خروجه من مدينة "رأس العين" عقب الاشتباكات التي شهدتها عامي 2012 و2013، وبقي أكثر من عامين دون أوراق تثبت زواجه قانونيا، لكنه أجبر على تسجيل زواجه بعد قدوم مولوده الثاني السنة الماضية.
اعتمد "مجد الدين" على شقيقه في مدينة "رأس العين" بمتابعة قضية تسجيل زواجه وتثبيت أسماء أطفال بعد الحصول على دفتر عائلة (بطاقة)، وكلفته نحو 200 ألف ليرة سورية بين مواصلات ومصاريف وأجور المخاتير ومعقبي المعاملات وحتى الموظفين الذي دفع لهم شقيقه ما يطلبون من أجل عدم عرقلة الأمر بحجج واهية، على حد قوله.
وكان حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) وحلفاؤه من الأحزاب والقوى الكردية أعلنوا "إدارة ذاتية" شمال سوريا في ثلاث مناطق هي "الجزيرة" (الحسكة) و"كوباني" (عين عرب و شمال الرقة) و"عفرين" شمال حلب، وأحدثوا لهذا الغرض هيئات ومجالس تأخذ دور الوزارات والبرلمان وقوى أمنية وعسكرية تابعة لها.
ويعرّف الزواج المدني بأنه عقد زواج بين شخصين بحضور شاهدين في مقر رسمي (المحكمة غالباً)، دون النظر إلى الفوارق الدينيّة والمذهبيّة بين الرجل والمرأة، وبناءً عليه فلا مانع من زواج المسلمة بالمسيحي وكذلك العكس، ولا مانع من زواج الكاثوليكي بالأرثوذكسية، وقد يجمع هذا الزواج شريكين من الطائفة نفسها إن هما كانا يؤمنان بالعلمانية.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية