(شاءت الصدفة أن أسمع نبأ وفاة الصديق الدكتور عدنان البني ليلة الثلاثاء 21 /10/2008 وأنا أتصل هاتفيا بزوجتي من تدمر ومن فندق هليوبوليس المجاور لواحة تدمر ونخلاتها وأشجار زيتونها والاطلالة الرائعة على معبد بعل كبير الآلهة فيها.
رحمك الله يا د. عدنان وطيّب ثراك. وكما عرّفتنا ملحمة جلكامش ان خلود الانسان يكون بالأعمال التي يخلّفها، نقول انك باق في ذاكرة الوطن الحبيب من خلال الآثار التي كشفتَ عنها سنوات طويلة في تنقيبات تدمر وفي مقدمتها معبد الإله نبو ومواقع أخرى مثل عناب السفينة ورأس ابن هانىء وسواها، وفي ما كتبت عنها وفي تدريسك مادة التنقيب والآثار لأبناء الجيل الجديد، وفي توجيهك سنوات طويلة أعمال التنقيب والدراسات الأثرية في أتحاء سورية والمشاركة في رفع اسم بلدك سورية عاليا في المحافل الأثرية الدولية، وفي استقطاب الباحثين والعلماء للمجيء الى سورية للكشف على كنوزنا الأثرية وبيان مساهمتنا في العطاء الحضاري الانساني وبخاصة في أعمال التنقيب في حوض الفرات قبل بناء السد العظيم.
أجل بك بدأت مدرسة وطنية للتنقيب، وها هم أبناؤك وتلاميذك بكل فخر يتابعون المشاركة مع البعثات الأجنبية بالاضافة الى رئاسة بعثاتهم الخاصة عند توفر المال والمستلزمات لها.
ولا أنسى تشجيعك وكلماتك الطيبة عندما أهديتك كتابي عن "كنيسة القديس سمعان العمودي وآثار جبلي سمعان وحلقة" في التسعينات من القرن الماضي. كما لا أنسى كيف كنتَ لولب الحركة في المؤتمر الدولي التاسع للآثار الكلاسيكيةعام 1969 ومرافقتك الباحثين الى قلعة سمعان لمشاهدة كنيستها الرائعة بفن عمارتها وحياة صاحبها النسكية، وقيام المرحوم صبحي الصواف مستشار جمعية العاديات بحلب بشرح دقائق معالمها للمشاركين. وأذكر ، وكنت آنئذ مدير المواصلات بحلب بالوكالة، انني قمتُ باصلاح وتزفيت الأقسام المخرّبة من الطريق بين دارة عزّة وقلعة سمعان تمهيدا لزيارة الموقع من قبل زوار المؤتمر.
صداقة حميمة ربطتني بالدكتور عدنان العصامي خلّفت أجمل ذكرى، وأذكر باعتزاز انني شخصياً لم يسعفني الحظ بزيارة اليابان، إلاّ ان بعض شرائحي المصورة(السلايدات) ذهبت الى اليابان مع الصديق عدنان، وفيها صور بعض أعمال التنقيب في حوض الفرات التي كنتُ أواكب تقدمها خلال عملي في إنشاء طريق حلب - الرقة بين عامي 1968 و1974، ومن بينها مئذنة مسكنة الأيوبية الفريدة وهي مقطّعة أجزاء ومصفوفة أفقيا تمهيدا لنقلها الى موقعها الجديد كي لا تغمر بمياه بحيرة السد العظيم. وقد اتحفنا الدكتور عدنان في جمعية العاديات بحلب، رغم مشاغله ومنذ السبعينات من القرن الماضي، بأكثر من محاضرة كان يشدّ فيها مستمعيه بمادتها الدسمة. وكنت أقصده في كل مرة تستعصي علي معلومة أثرية ولو عن طريق الهاتف وحتى بعد تقاعده وتكريمه بمنحه الأوسمة الرفيعة من قبل بلده والعديد من بلاد العالم. كما أهداه زملاؤه الأثريون في العالم لدى تقاعده كتاب تكريم ضمنه كل منهم مقالة أثرية قيّمة.
نم قرير العين أيها الصديق الطيب، يا معلمنا الكبير، إن ذكرى الصديقين تدوم وتدوم.
حلب 22/10/2008
--------------------------------------
رحيل عالم الآثار السوري الدكتور عدنان البني ... م. عبد الله حجار*
مستشار جمعية العاديات بحلب *
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية