أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على أرصفة دمشق.. ثمانينية من حمص لا تعرف أسمها ولا أسماء أبنائها

من شوارع دمشق - أرشيف

من بين مئات المشردين الذين تعج بهم شوارع دمشق بعد تدهور الحالة المعيشية بشكل مريع في ظل ظروف الحرب تبدو متسولة في منتصف العقد الثامن من عمرها تلبس جلباباً أسود وقد وضعت على رأسها عصابة سوداء اللون أيضاً وهي تجلس على رصيف أسفل أحد الأبنية في حي "باب توما" وسط العاصمة وتحاول استجداء المارة، ولكن صوتها الخفيض يحرمها من المردود الذي تجمعه قريناتها بشكل يومي، غير أن أكثر ما يلفت النظر هيئتها الرثة، وكانت تفتح فمها وتُخرج لسانها وكأنها تُحتَضرْ وتتمتم أحياناً بعبارات غير مفهومة، لكن الغريب أن الناس يمرون أمامها دون اكتراث، بعضهم يرمي لها بعشر ليرات وبعضهم بمائة ليرة. 

"زمان الوصل" عرفت بعض تفاصيل عن العجوز المشردة، من خلال اتصال مع شخص أراد مساعدتها.

وروى "فريد ياغي" قصة العجوز المتسولة القادمة من مدينة حمص منذ سنوات كما فهم منها، والتي تعاني من مرض عصبي يسبب لها ارتجافاً في أطرافها العلوية وانحناء شديداً في ظهرها.

وأضاف "ياغي" لـ"زمان الوصل" إنه أراد مساعدة العجوز المتسولة وحاول حملها، ولكنه فشل وحينما طلب المساعدة من المارة رفضوا مساعدته وكان -كما يقول- يريد أن يغسلها في الشارع وشراء ما تلبسه في قدميها الحافيتين وما تأكله ولكنه فيما بعد أراد أن يفعل أكثر من ذلك.

وتابع أنه نادى على عامل يعمل لدى بائع جملة في المنطقة ليحملها معه إلى منزله أعلى البناء المقابل لمكان جلوس العجوز وأغراه بمبلغ مالي حتى حملها معه إلى الطابق الرابع.

وسرد "ياغي" جوانب من قصة المتشردة العجوز فحين طرق باب منزله وفتح والده فوجئ -كما يقول- بمنظرها وسأله عمن تكون وفيما إذا كانت وراءها مشكلة، أما والدته -كما يقول- فبكت لمنظرها وسمحا له فيما بعد بإدخالها وأحضروا لها ماء وطعاماً وتم تحميمها وإلباسها ثياباً لائقة. 

بعد أن شعرت العجوز الغامضة ببعض الارتياح طلبت من محدثنا –كما يقول- أخذها إلى حمص لإحساسها بالإحراج، وكانت تردد هذه العبارة في كل مرة تتعرض فيها للرفض من الآخرين أو النفور، وكأنها تريد أن تقول إنها ليست بحاجة لأحد فعندها بيتها وحياتها هناك في المدينة المدمرة وليست متسولة.

وأضاف محدثنا أنه حاول التخفيف من وجعها وتسليتها وبدأ بالغناء لها مردداً أغنية "يا ستي يا ختيارة" ليُفاجأ بأنها تحفظ كلماتها.

وعلم "ياغي" من العجوز–كما يقول- أن ابنها وزوجها ماتا بالقصف في أحد أحياء حمص ولديها ابنان يعملان مدرّسين، ولكنها نسيت أسماءهم -كما قالت له- حتى أنها لا تذكر إن كان اسمها "زليخة" أو "فاطمة"، وحاول "ياغي" البحث عن مأوى للعجوز لدى إحدى الجمعيات الخيرية أو أئمة المساجد ومنها مسجد "الأشمر" الذي رفض استقبالها أو تأمين مأوى لها، ليتمكن أخيراً من وضعها في مركز للنازحين بدمشق لتنام هناك على "وسادة أكثر راحة من الرصيف وأقل راحة من حمص"، حسب تعبيره.

و"فريد ياغي" كاتب وشاعر سوري من مواليد 1991 درس إدارة الأعمال في الجامعة السورية، دأب على تدوين يوميات مدينة دمشق وحركة وقصص ناسها ونازحيها ومشرديها في ظروف الحرب يوماً بعد يوم في دفتر يحمله في جيبه.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(126)    هل أعجبتك المقالة (145)

فاروق الحلبي

2017-06-28

الله يعطيك العافية و كتر خيرك ويخليك لاهلك امين ويكتر من امثالك ، انت انسان عندك عزة ،.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي