أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحرك أيها الشارع العربي ... أ.د. محمد اسحق الريفي

من أخطر أعراض مرض الشلل السياسي الذي يضرب أطنابه في مجتمعاتنا، عدم التفاعل مع التغيرات الإقليمية والعالمية، ومواكبتها، وتوظيفها لصالح الأمة، سيما تلك التغيرات التي واكبت فشل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، عسكرياً ودبلوماسياً، وانهيار الاقتصاد الأمريكي، وتداعيات كل ذلك على مشروع الشرق الأوسط الكبير.

ويبدو أن الأمر بالنسبة لنا، نحن العرب والمسلمين، سيَّان؛ سواء أنجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إنجاز مشاريعها ومخططاتها في منطقتنا أم فشلت، وسواء أفقد جيش الاحتلال الصهيوني قدرته على الردع والانتصار على المقاومة أم فشل في ذلك فشلاً ذريعاً. الأمر الذي يعني إضاعة الفرص علينا، ومنح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني فرصاً جديدة، لاستيعاب مرحلة فشلهما الاستراتيجي، وإعادة الكرَّة من جديد، باستخدام وسائل أكثر دموية وأشد قذارة، كنشر الفوضى الهدامة وإشعال نار الحروب الأهلية في مجتمعاتنا. كما يعني ذلك تكريس الواقع العربي والإسلامي البائس، وإبقاء أوضاعنا في حالة تدهور متواصل على جميع الصعد، بل حتى اليأس من عملية التغيير الذي تطمح إليه شعوبنا، والذي لا يمكن لأمتنا أن تنهض دون تحقيقه مهما طال الزمن.

لقد وصلت الشعوب العربية والإسلامية إلى حافة الهاوية، ولذا عليها المبادرة، بإنقاذ نفسها فوراً وقبل فوات الأوان، إذ لم يعد يجديها الانتظار نفعاً. لقد أضاعت شعوبنا الكثير من الوقت والعديد من الفرص، ولا بد لها من المبادرة إلى فهم حقيقة التغيرات الإقليمية والعالمية، والتحرك وفقاً لمعطياتها وتداعياتها نحو التغيير المنشود. فقد أصبحت الفرصة الآن سانحة للشعوب العربية والإسلامية أكثر من أي وقت مضى؛ للخروج من حالة الذل والهوان، وذلك بعد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير، وانحسار المشروع الصهيوني وتقهقره إلى الوراء، وبعد انكشاف حقيقة الأنظمة الرسمية العربية الموالية للأمريكان ودورها المريب في بؤسنا وشقائنا وتشرذمنا.

فبسبب سقوطها الاقتصادي وفشلها العسكري والاستراتيجي المدوي، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على شن مزيد من الحروب في منطقتنا، ولا في أي منطقة أخرى. وقد أصبح كيان الاحتلال الصهيوني يشكل عبئاً كبيراً عليها، عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً. ولذلك لن يكون بوسع الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل ما تواجهه من تحديات اقتصادية وعسكرية عالمية كبيرة سوى إنقاذ الطبقة الأمريكية الوسطى من غول الفقر والتشرد والجوع والحرمان، التي سحقها المحافظون الأمريكيون الجدد، بسبب سياستهم الخارجية والداخلية الخرقاء، التي أوردت الولايات المتحدة المهالك.

ومن المعلوم أن الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحرك عجلة الاقتصاد والتطور التكنولوجي والعسكري والأكاديمي، وفي ظل الانهيار الاقتصادي التي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية، ستتوقف عجلة الاقتصاد الأمريكي، وسيتوقف التطور التكنولوجي العسكري، الذي كانت تعول عليه الولايات المتحدة الأمريكية في بسط نفوذها وهيمنتها على الأمم المستضعفة، وفي شن حروبها على شعوبنا العربية والإسلامية. فالولايات المتحدة أصبحت الآن غير قادرة على تحمل نفقات حروبها الظالمة، ولا التطور العسكري والتكنولوجي الذي يضمن لها الانتصار على المستضعفين.

أما كيان الاحتلال الصهيوني، فقد انكشفت سوأته، وظهر جبنه للجميع، وأصبح عاجزاً عن إنجاز مهامه الشريرة، ولن يتمكن من الانتصار في أي حرب ضد المقاومة بعد اليوم. وقد اعترف قادة كيان الاحتلال الصهيوني بعجزهم أمام المقاومة، وأصبحوا يوقنون باستحالة تحقيق حلم ما يسمى (إسرائيل) الكبرى. ولذلك فقد اضطر الاحتلال الصهيوني لاتخاذ إجراءات وحشية ودموية قذرة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، عبر خنق شعبنا، وتشديد حصاره على غزة هاشم، وزيادة وتيرة قمعه وإجرامه في غزة والضفة المحتلة، في الوقت الذي يلهث وراء سراب التطبيع مع الدول العربية والإسلامية!

وتعد الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة جزءاً مهماً من المصالح الأمريكية في منطقتنا، بل أصبحت هي الأداة الوحيدة التي تملكها الولايات المتحدة لإنجاز مخططاتها، إذ لا يمكن للأمريكيين أن يحققوا مآربهم الشريرة دون مساعدة هؤلاء الأصدقاء، الذين يشاركون في حصار شعبنا الفلسطيني، ويتآمرون على المقاومة الفلسطينية، ويمدون جسور التعاون والتطبيع للعدو الصهيوني؛ كي يخترق الشعوب العربية والإسلامية، ويحقق حلمه الشرير في إقامة دولة يهودية يعترف بها العرب والمسلمون والعالم كله.

إن كل ما سبق يوجب على الشعوب العربية والإسلامية القيام بحركة شعبية مدروسة ومنظمة وهادفة، من أجل تحقيق التغيير، الذي يضمن لأمتنا العزة والكرامة، ويضع حدا لاستهتار الأنظمة الفاسدة بمصير شعوبنا ومستقبلها، وينهي الاحتلال والعدوان والأجرام الصهيوأمريكي. فهذا أوان التغيير، ولن تسنح للعرب والمسلمين أفضل من هذه الفرصة للتغيير.

23/11/2008

(114)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي