في العام 1984 انتقلنا إلى قرية جديدة عقب شراء عائلتي لأراض من عائلة سريانية هاجرت إلى أوروبا وهجرت القرية، كما هجرنا أترابنا بمنطقة "الخابور"، لكن لحسن حظي وأبناء عمي وجدنا ضالتنا في جرافة مجنزرة معطلة يملكها شخص يدعى "مارديلوز"، كنا نضع عمودا على إحدى قطعها ثم نلعب "عالي واطي" (أرجوحة الميزان أو قبان الأطفال).
وكنت أحرص على عدم اللعب مع من هو أثقل مني خشية السقوط كما يحصل لغيري من الأطفال المغرمين بـاللعب قرب "جنزير مارديلوز"، فصاحب الثقل الأكبر هو صاحب الكلمة الفصل في بدء اللعبة وإيقافها وحسم نتائجها، وهذا بالضبط ما يفعله اليوم حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) القادم الجديد إلى المنطقة في التعامل مع حلفائه العرب بالشراكة مع الأمريكان في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" ممن يوهمهم بأنهم حلفاء له في إدارته الذاتية التي أقصى منها كل من يخالفه الرأي من الكرد.
على الطرف الآخر من عمود اللعبة مع "الاتحاد الديمقراطي" يجلس حالياً ممثلو "تيار الغد" السوري والوفد المرافق لهم إلى رميلان الحسكة، التي يحميها الأمريكان، وهذا مرده -أي الجلوس في أعلى قمة لدى هذا الحزب المستولي على معظم شمال سوريا- مرده إلى أن "قوات النخبة السورية" التابعة لهذا التيار تشكل الغطاء البديل لعورة "الاتحاد الديمقراطي" في معركة "اقتحام الرقة" أو ما تعرف بـ"غضب الفرات"، فهذا دور يشابه دور لواء "ثوار الرقة" في عمليات "بركان الفرات"، والرافض حالياً لعب دور ثانوي في معركة تحمل من أجلها لوم العرب لثلاث سنوات.
اجتماعات ممثلي التيار الذي يقوده رئيس الائتلاف الأسبق "أحمد الجربا" ورئيس "حركة التجديد الوطني" "عبيدة النحاس"، وعضو هيئة التنسيق/ حركة التغيير الديمقراطي "زياد وطفة" مع قيادات "PYD" رأسهم "آلدار خليل" الذي لم تطله رياح "التغييرات القنديلية" (قيادة العمال الكردستاني)، بالتزامن مع احتدام المعارك بين القوات المدعومة أمريكياً وبين عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية " داخل الرقة، اجتماعات جاءت لـ"تبادل وجهات النظر حول جملة من القضايا المتعلقة بسبل حل الأزمة السورية ومشروع الفدرالية وضرورة الوصول إلى صيغة حل تتفق عليها جميع أطراف المعارضة الوطنية"، على حد وصف وسائل إعلام الحزب الكردي.
النحاس اعتبر هذا اللقاء "فرصة تاريخية" على الأغلب لأنه يعتقد أن معركة الرقة مرحلة مفصلية بتاريخ سوريا، واصفاً فدرالية "الاتحاد الديمقراطي" أو ما يعرف سابقاً بمجلس "سوريا الديمقراطية" بـ"المظلة الوطنية" التي يجب أن تجتمع تحتها كل القوى الوطنية للوصول إلى حل وطني جامع بعيداً عمّا يراه "أوهاماً وأحلاماً غير واقعية"، على ذمة وكالة "هاوار" التابعة للحزب.
سلك هذا الطريق قبل النحاس العام الماضي "رياض درار" فصعد إلى قمة "مجلس سوريا الديمقراطية" رغم عدم امتلاكه قوة حقيقية في "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي يعتبر مجلسه ممثلها السياسي، فما عساه أن يفعل أكثر مما فعل "هيثم مناع" حين عجز عن فرض رؤيته على مشروع "الاتحاد الديمقراطي" شمالي سوريا، رغم التقارب الأيدلوجي بين مناع والحزب، على عكس درار الخطيب السابق بمساجد دير الزور، والذي من المفترض أن يختلف مع أفكار "الإدارة الذاتية" المبنية على أسس شيوعية.
يبقى حزب "الاتحاد الديمقراطي" مالك القوة الأكبر في "قوات سوريا الديمقراطية" وبالتالي ضمن واجهتها السياسية أمام دول التحالف وعلى الأرض أيضاً، وما يحتاجه من شخصيات يصفها بالمعارضة أحيانا، وبالعربية أحياناً أخرى لتزيين مشروعه وتغطيته عيوبه مؤقتاً أمام السوريين عبر إيجاد ذريعة لدخول مناطق ذات صبغة عربية، كما فعل مع "لواء التحرير" و"لواء ثوار الرقة" خلال معارك ريف الحسكة وتل أبيض، فحزب "الاتحاد الديمقراطي"، وهو امتداد سوري لـ"العمال الكردستاني" التركي صاحب الثقل الحقيقي يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ويسقطه إذا لزم الأمر داخل المشروع الأمريكي المرسوم لشمال وشرق سوريا.
محمد الحسين - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية