أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مكتبة "الوعر".. مشروع ثقافي تلاشى بتهجير أهالي الحي

تميزت المكتبة بشموليتها لشتى صنوف المعرفة كعلوم الشريعة والأدب واللغة والتاريخ والقانون والسياسة والفلسفة

قبل أن يصعدوا إلى حافلات التهجير القسري مودعين حصاراً عاشوه لسنوات، ترك أهالي حي "الوعر" الحمصي إرثاً ثقافيا تمثل في مشروع "النادي الشبابي" الذي لطالما أمضوا في جنباته ساعات طوالا يتزودون فيها من معين المعرفة التي حصّنتهم ضد التشدد والفناء والجوع والحصار الذي رافقهم لأربع سنين عجاف!.

وبدأ مشروع النادي الشبابي كما يقول مؤسسه "علاء البيطار" لـ"زمان الوصل" مطلع العام 2014 على يد مجموعة من الشبان وعلى رأسهم "قتيبة العيسى" مستفيدين من جو الحرية الموجودة في حي "الوعر"، وكان الهدف من المشروع إيجاد ملتقى شبابي يحاكي المراكز الإسلامية بأوروبا، من حيث وجود عدة خدمات ثقافية ومعرفية وتعليمية في مكان واحد، كوجود مكتبة عامة مع قاعة مطالعة وقاعة أخرى للمحاضرات والدورات وقاعة خاصة بالنشاط النسوي، وكذلك وجود مصلى بالإضافة لمقهى صغير وخدمة نت لأعضاء النادي، ولفت البيطار إلى أن "هذا الملتقى كان يسعى لنشر الفكر الإسلامي المعتدل الذي يناسب تدين بلاد الشام مع تأصيل شرعي للقضايا التي تشغل بال الشباب، وكذلك تحصينهم من أفكار التغربب والعلمنة، ولهذا دأب النادي على إصدار جريدة دورية باسم (البناء) تتكون من 20 صفحة منوعة".

وككل مشروع عاش تحت ويلات الحصار واجه "النادي الشبابي" تحديات تمثلت في وطأة الحرب وانعدام الأمان مما أثر بدوره على تفاعل الناس يسبب الخوف من القنص وقذائف الهاون والصواريخ والطيران.

وأكد محدثنا أن التحديات تمثلت أيضاً في صعوبات الحصار وتحدياته سواء منها النفسية، أو المادية مثل صعوبة تأمين الورق والأقلام والحبر للطابعات وقسوة المعيشة، نظراً لأن المجتمع عموماً –كما يقول- منشغل بهمومه الحياتية وتأمين لقمة العيش أكثر من أي شيء آخر.


وكان من أبرز فعاليات النادي مكتبته الضخمة التي كانت عامرة بمئات الكتب في شتى أنواع المعرفة والثقافة مما شكل ظاهرة ثقافية في الحي المحاصر، وتم تجميع محتويات هذه المكتبة –كما يقول البيطار- من البيوت المهجورة أو المهدّمة نتيجة القصف أو مأخوذة برسم الأمانة من مالكيها المسافرين، وتم أرشفتها في سجلات خاصة بأسماء أصحابها أو اسم البناء الذي تهدم.

ويضيف محدثنا أن القائمين على النادي وجدوا أن أفضل حل للحفاظ على الكتب في الحي هو جعلها في خدمة العامة.

وتميزت المكتبة -التي ضاع جلّها الآن للأسف- بشموليتها لشتى صنوف المعرفة كعلوم الشريعة والأدب واللغة (عربي +إنكليزي) والتاريخ والقانون والسياسة والفلسفة وعلم النفس، بالإضافة لوجود زاوية لكتب الأطفال سواء التعليمية أو القصصية أو الخاصة بالرسم وتطور المهارات.

وكان القائمون عليها يحرصون على مزيد من التنوع في محتوياتها لكن المشكلة -كما يقول البيطار- تكمن في أن هذه هي الكتب الموجودة في الحي، ومن الممنوع دخول كتب جديدة بسبب قسوة الحصار. 

وأردف محدثنا الذي درس أصول الدين في معهد الفتح بدمشق وفي قسم اللغة العربية بجامعة خالد بن الوليد أن "التفاعل مع المكتبة كان جيداً بالنسبة لحي صغير محاصر" مضيفاً أن "عدد الكتب المعارة خارجياً وصل في عام واحد إلى أكثر من ألفي كتاب، مع مراعاة الحالة الأمنية للرواد مثل السماح باستعارة الكتاب بأسماء مستعارة، واعتماداً على الأمانة الشخصية فقط" .


حين تم فرض التهجير على أهالي حي "الوعر" من قبل طيران النظام وحليفه الروسي، كان ذلك كوقع الصاعقة على القائمين على مشروع "النادي الشبابي" والمستفيدين منه من أهالي الحي، فالتهجير من الأوطان قرنه القرآن بقتل النفس!

وأشار البيطار إلى أنهم خافوا على المكتبة من النظام الهمجي، لهذا أرجعوا الكتب لبيوت أصحابها أو المساجد، أما الكتب الخاصة بالقائمين على المكتبة أو تلك التي يملكون إذن التصرف بها فحاولوا أخذها في رحلة نزوحهم، ولكن النظام رفض ذلك فتحايلوا عليه وهرّبوها لكن للأسف تبعثرت وضاع بعضها نتيجة لذلك!

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(173)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي