تمكّن الفنان "حسن عبّارة" خلال سنوات قليلة من لجوئه إلى ألمانيا من أن يحقق حضوراً في مجال الفن التشكيلي والخط العربي، حيث شارك في العديد من المعارض مع فنانين ألمان، وأقام ثلاثة معارض فردية في مدينة Varel وفي جامعة هامبورج كان آخرها بعنوان "حلم وطن" في صالة Blumenhalle بمدينة Wiesmoor الذي زاره الرئيس الألماني "فرانك ـ فالتر شتاينماير" منذ أيام.
وأهدى "عبارة" الرئيس الألماني لوحة من إبداعه تحمل اسمه بالخط الديواني العربي، مما جعله يتصدّر أعمدة الصحف الألمانية التي نشرت عدة مقالات متنوعة تناولت رسالته الفنية.
تخرّج عبارة وهو خطاط وفنان تشكيلي من مواليد دمشق 1983 من معهد "أدهم اسماعيل" وعمل لسنوات في مجال الغرافيك وصناعة الإعلان ودرس الحقوق في جامعة دمشق، ولكن الظروف شاءت أن لا يتم دراسته فيها لرغبته في التفرغ للفن الذي وجد نفسه فيه.
مع بداية الثورة عايش الفنان الشاب الأحداث الدامية في سوريا كونه من سكان "داريا" ومن بعدها "عقربا" –كما يقول لـ"زمان الوصل"- مضيفاً أن قلبه كان يعتصر دماً وحزناً لما يجري في بلاده، ولم يكن هنالك من جواب شافٍ لما يحدث وكيف يحدث.
وأردف محدثنا أنه كان يشعر بالعجز الشديد أمام هذه الرغبة الجامحة بالإجرام وهذا الكم الهائل من الظلم: "حاولت بشتى الوسائل البقاء وكنت أقول دائماً أن أتناول تراب بلدي أهون علي من تركها والسفر ولكن كان لا بد من الرحيل بعد أن أصبحت حياتي مهددة بالخطر".

ويروي "عبارة" جوانب من رحلة لجوئه إلى أوروبا بعد أن ترك زوجته الحامل وطفله في أيار مايو /2014 وكان هذا القرار-كما يقول –في ليلة واحدة لم يتسن له أن يقول شيئاً.
وبدأت رحلة المجهول من تركيا وصولاً إلى ألمانيا وخلال تلك الرحلة كان جسده هنا وروحه هناك، ولكن عزاءه الوحيد هو فنه الذي كان بمثابة غذاء للروح والذي اقتبس منه الدافع للحياة والمضي قدماً.
في ألمانيا وجد الفنان نفسه أمام واقع وظروف جديدة بدءا من طريقة الحياة وانتهاء بالعقلية الألمانية التي يحتاج المرء إلى فهمها بالدرجة الأولى لكي يتمكن من النجاح -كما يقول- مشيراً إلى أنه بدأ بتعلم اللغة الألمانية بشكل فردي، ومن ثم وجد عملاً في شركة لصناعة الإعلان وساعده هذا الأمر في فهم المجتمع والاندماج به.
في ألمانيا اكتشف "عبارة" مدى اهتمام أهل البلاد بالموهبة وأن لكل مجتهد نصيبا بعيداً عن المحسوبيات أو الواسطات.
ولفت محدثنا إلى أن "الاندماج بالنسبة للألمان ليس كما تراه فئة من الشباب السوريين مجرد حفلات أو شرب أو أكل ومجون ..! بل الاندماج تبعاً للعقلية الألمانية يعني بالدرجة الأولى العمل ثم العمل والإيجابية وأن تكون عنصراً فعالاً وناجحاً".
تضمن معرض "حلم وطن" الذي يستمر حتى 16/ الجاري العديد من اللوحات التي تعكس أهوال الحرب، وتسلط الضوء على الطفولة المستلبة في أتونها.

وفي بعض لوحات معرضه هذا يرى "عبارة" وطنه كفتاة جميلة ويتقصّد –كما يوضح- رسمها بالألوان المتعددة لترمز إلى التعدد الطائفي والعرقي والديني في سوريا، والذي يراه أحد مكونات الجمال السوري.
ومن أبرز لوحات المعرض لوحة "الأطفال السبعة" التي تحكي معاناة الطفولة السورية بمختلف أشكالها وكل طفل منهم –كما أبان الفنان عبارة– يحكي قصة مختلفة، كمجازر "الحولة" و"الكيماوي" ومنهم اليتيم والمشرد وجميع هذه الحكايات يرويها حائط التاريخ الذي يتشقق عن معاناتهم.
ويختلط في أعمال "عبارة" لون الألم والدم، ولكن المتلقي يلاحظ أيضا ميله للألوان المظلمة لأنها –حسب قوله- تعكس تجربته الشخصية ومشاعر الظلم والقهر التي عايشها شعبه وأهله طوال السنوات الست الماضية، ولكنه في كثير من الأحيان يستيقظ ليجد نفسه في وطن جديد يلجمه نوعاً ما عن الاسترسال في لون الألم ويجبره على التخفيف من لون الدم والسوداوية.
ولفت محدثنا إلى أن أغلب الألمان رقيقو المشاعر ومتعاطفون وكثير منهم –كما يؤكد- كان يبكي لمجرد رؤية لوحة لطفل حزين أو ما شابه، ولذلك حاول قدر الإمكان أن يكون لطيفاً في عرضه لرسالته ومتوازناً نوعاً ما بين ما يشعر به وما عايشه في وطنه مراعياً مشاعر وعقلية الجمهور هنا.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية