رغيف الخبز يشكل باستدارته عجلة الحياة لسكان الحسكة، فدونه تتوقف عن الدوران، لذا يسعى كل طرف من المتصارعين فيها على أن يكون المتحكم بهذه العجلة عبر إغراء الفلاحين أو ترهيبهم ليبيعوا ما ينتجون من القمح إليه خلال موسم الحصاد، خاصة مع تراجع كميات الإنتاج لاختفاء مستلزماته من الأسواق أو غلاء أسعارها.
يتلقى الأطفال منذ نعومة أظفارهم تعليمات حول أهمية المحافظة على الخبز، فتنعكس في سلوكهم عبر تقبل كل كسرة تسقط على الأرض والتهامها بعد نفض التراب عنها، فهم يحافظون على رغيف الخبز أكثر مما يحافظون على قمح أرضهم أصل رغيف باتوا يصطفون بطوابير طويلة للحصول عليه مشوهاً، نتيجة استيلاء سلطات الأمر الواقع عليه عبر احتكار شرائه.
*روايات الخبز
على مدى 50 عاما كان الناس يركضون وراء رغيف الخبز وينسجون حوله الروايات العديدة، التي يخلص جميعها إلى أن نظام الأسد أراد إشغالهم بالتفكير بتحصيل رغيف الخبز كي لا يفكروا بأبعد من ذلك، كان بطل إحدى روايات الخبز أبا البشر كلهم "آدم" عليه السلام، حين نزل إلى الأرض وعُلّم صناعة الخبز من القمح فهبت الرياح لتحمل رغيفه بعيداً، فكانت بداية رحلة سعي الإنسان وراء الرغيف، وفق الرواية الشعبية.
يرى الحاج "أبو عبود" أن صحته لا تساعده للانتظار طويلاً في طابور فرن "المساكن" وسط مدينة الحسكة، لذا يدفع مئتي ليرة لسمسار مرتبط بأحد المسؤولين مقابل كيس الخبز بدلاً من مئة ليرة ليكسب راحته، فالطوابير طويلة أمام الأفران ونوعية الخبز رديئة على أي حال نصفها نخالة لا تصمد طويلاً قبل أن تتفتت.
ويقول "أبو عبود" إنه بذلك يبعد نفسه عن الإهانة على يد عناصر الشرطة أو عمال المخبز، الذين لا يلتزمون بالدور ويعاملون الناس على أساس "خيار وفقوس"، كما يقال.
حسب حديث الرجل المسن، فإن 14 رغيفا في الكيس الواحد (ربطتان) يباع بأسعار متفاوتة يمكن لها أن تصل إلى 300 ليرة في بعض الأوقات لدى التجار الذين يحصلون على الخبز من مخابز "تل حجر" وغويران" و"المساكن" الآلية أكثر مما يحصل عليه الناس.
*تدمير فرن "الشدادي"
ويبقى أهل المدينة أوفر حظاً من أهل الريف فشكواهم من سوء نوعية الخبز ووجود شوائب كثيرة منها الحشرات، لكنهم يحمدون الله على عمل الأفران مقارنة بما يقاسيه سكان الريف الجنوبي، حيث لجأت إدارة حزب "الاتحاد الديمقراطي" إلى إنشاء فرن تشرف عليه جمعية تعاونية لتعويض النقص الحاد بالخبز نتيجة تدمير التحالف الدولي لفرن "الشدادي" الكبير منتصف شباط/فبراير 2016.
عملت إدارة "الاتحاد الديمقراطي" على مبدأ "من صوفها اكتفها" وهو مثل محلي متداول في الحسكة للدلالة على إرضاء الشخص على حسابه، يقابله مثل مشهور سوريا هو "من دهنه سقيله"، هكذا جاءت فكرة تأسيس الفرن "التعاوني" قبيل شهر رمضان، والذي يموله عشرات الأشخاص لإنتاج 3 آلاف ربطة خبز يومياً.
أوردت وسائل إعلام "الاتحاد الديمقراطي" مجموعة من المغالطات خلال الإعلان عن المخبز الجديد أبرزها تلك التي توخّت من خلالها إخفاء هوية من دمر مخبز "الشدادي" على رؤوس العاملين وهو شريكها "التحالف الدولي"، وكان هذا سبب معاناة الأهالي بعد عام كامل مما يوصف بـ"التحرير"، فكيف يمكن وصف القوى التي تقول إنها حررت هذه المناطق وهي تدمر جميع الأبنية الكبيرة، وغالباً هي مدارس وأفران وغيرها من المؤسسات التي يعبر مؤيدو النظام عن حزنهم على تعميرها كونها من "منجزات الحركة التصحيحية" ومن "ريحة القائد الخالد" كما يقولون.
*أسعار الخبز
كان الخبز يصل من مخابز آلية تعمل في مناطق سيطرة النظام بمركز مدينة الحسكة، عبر أشخاص يحملون أوراق اعتماد لنقل الخبز إلى "العرشة" لتباع الربطة بـسعر 65 ل.س (7 أرغفة) -175 ل.س(14رغيفاً) حسب عدد الأرغفة في الكيس وحسب البائع معتمدا أم تاجرا، وفق ما ذكر الأهالي.
في المقابل، يتحدث الأهالي في مناطق "المالكية، معبدة، الجوادية، القحطانية، وتل حميس" عن تشغيل منظمة "IRD" لأفران في هذه المناطق ثلاثة أيام في الأسبوع لإنتاج الخبز المدعم بالفيتامينات بكميات محدود ونوعية جيدة بسعر 20 ليرة مقابل 1 كغ من الخبز، وتنتج الأفران ذاتها خبزاً أسمر اللون في الأيام التي يشغلها النظام خلال أيام تعطيل المنظمة، التي تستورد الطحين من شمال العراق.
تحتاج مخابز الحسكة الخاصة والعامة إلى 400 طن يوميا من الطحين لإنتاج أكثر من 60 طناً من الخبز سنوياً عبر نحو 20 خطا في 11 مخبزاً يوفر لها فرع المخابز الآلية في الحسكة الخميرة والطحين وخزانات المياه اللازمة لصناعة العجين، وفق الأرقام الرسمية.
محمد الحسين - الحسكة - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية