رصدت دراسة عوامل ظهور الاحتجاج في الساحل السوري خلال سنوات الثورة السورية، مرجعة ذلك إلى الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف الشباب، حيث يعتبر الساحل الخزان البشري الذي يمد نظام الأسد بعناصر تتوزع على كافة تشكيلاته وميليشياته.
كما اعتبرت الدراسة الصادرة عن مركز "جسور" للدراسات أن عوامل أخرى ساهمت في تأجيج الاحتجاجات في المنطقة الأشد ولاء للنظام، ومنها الفلتان الأمني وانتشار الفقر والمخدرات والأوبئة، وغياب الإغراءات المادية للموظفين في حكومة النظام.
غير أن الدراسة التي لخصت "زمان الوصل" أهم ما فيها رأت أن عوامل أخرى على الجانب الآخر ساهمت في تسكين تلك الاحتجاجات، وأهم تلك العوامل غياب معارضة تحمل مشروعا وطنيا، والحضور الأمني والعسكري الكثيف، والتفجيرات والقلاقل الأمنية المستمرة، إضافة إلى غياب المؤسسات المجتمعية.
وخلصت الدراسة إلى القول إنّ الوضع الراهن لا ينبئ بحدوث احتجاجات كبيرة في الساحل السوري، كما لا يمكن تجاهل الاستحقاقات القادمة للنظام في الساحل، في حال التوقيع على تسوية مع المعارضة، مؤكدة أن الصدمة النفسيّة التي سيتعرّض لها أهل الساحل ستكون بمثابة صاعقةٍ، تجمع كل الخسائر التي تعرّضت لها هذه المجتمعات، وتضعها في ميزان التسوية الذي ربما لن تحمل في طيّاتها تلك الوعود التي قدّمها ومازال يقدّمها النظام لعلويي الساحل، فمن إعادة الحال لما كان عليه وصولاً للقضاء على "الإرهاب" وتطويع جميع المناطق تحت سلطته، كل هذه الأوهام، وسقوطها، سيمثل ضربة قاصمة، موجعة، وتشكل ما يشبه الصدمة التي تنعش الميت ليستفيق على حاله.
ورأت أن "الخوف من الآخر" يشكل أهمّ عوامل السكون العلوي في الوقت الراهن، لكنّ حلّاً سياسياً يضمن شراكة مع هذا "الآخر" أو يضمن حتى إدماجه في مؤسسات الدولة سيعني انهيار آخر مبررات وجود النظام في أذهان العلويين، ومعه كل مفاصل الأيديولوجيا والبربوغندا التي حكم فيها النظام على مدى نصف قرن من الزمن، ومنه ستقع البيئات العلويّة في فراغ سلطوي، وامتدادات لآفاق سياسيّة جديدة، تكون بمثابة انعتاق هذه البيئات من النظام القائم.
ورجحت الدراسة ألا يكون شكل الاحتجاج المحتمل دينيّاً، بالرغم من غياب أيّة عوامل لظهور احتجاج سياسي، أو نقابي، ذلك لأنّ "الدين العلوي، لا يحمل في طبيعته، شكلاً تنظيمياً، ولا يحمل قوّة التشريع والإفتاء، التي تتمتع بها الطوائف الإسلاميّة الأخرى".
وذكرت أن نوعا واحدا من الاحتجاجات يمكن أن يحدث في الساحل، وهي الاحتجاجات التلقائيّة، والتي من الممكن أن تجد بيئة تكبر فيها، ومن ثم يصار إلى تنظيمها، قبل أن تخمد، وهذا التنظيم، سيكون مناطقياً، يقوده وجهاء ومشايخ علويّون، لكن بغير الصفة الدينيّة التي يحملونها، بل من خلال الشهرة، والثقة العامّة التي يتمتعون بها، ولا يمكن لأي قيادة علويّة أن تنجح إذا حشرت الدين في قراراتها، لأنها حكماً ستقع أمام تناقضات واسعة بين العلويين أنفسهم، مما قد يؤدي للفشل.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية