"ابراهيم الحاجي" شاب سوري من بلدة "الهبيط" بريف إدلب كان متطوعا في فرع الأمن الجنائي بحلب مطلع تشرين الثاني نوفمبر/2011 عندما خطط مع زملاء له لتشكيل مجموعات داخل الأفرع والانشقاق عن النظام، لكن محاولته الانشقاق أخفقت بسبب وشاية كلّفت حاجي ورفاقه أشهراً طويلة خلف الزنازين في فروع الأمن بين حلب ودمشق وحمص ذاق خلالها أقسى أنواع التعذيب والإهانة والإذلال النفسي والجسدي.
وروى الحاجي لـ"زمان الوصل" أن مخبراً مدنياً كان يعمل في فرع الأمن الجنائي لصالح فرع أمن الدولة أخبرهم بكل ما كان يجري من أحاديث وتخطيط، وبتاريخ 2011/11/15 تم استدعاؤه مع بعض العناصر إلى رئيس إلى فرع أمن الدولة. وتم إيداعه لوحده في منفردة ليوم كامل دون تحقيق وسؤال، وفي اليوم التالي استدعاه -كما يقول- محقق برتبة مقدم يُدعى "أكرم محمد" وأخذ يسأله عن زملائه المشاركين في المخطط ممن لم يتم اعتقالهم، ومن أين حصلوا على السلاح الموجود معهم، ولكنه رفض الاعتراف بأي شيء، وهنا -كما يقول محدثنا- "بدأ مسلسل التعذيب والإهانة والشتم الذي لطالما اشتهر به المحققون"، وكان الحاجي -كما يقول- معصوب العينين بقطعة قماش ويداه مقيدتان إلى الخلف.
وتابع محدثنا وهو يسترجع لحظات اعتقاله الأولى: "قال لي المحقق: انبطح يا حيوان وأخذ قضيباً من السيليكون وبدأ يضربني على قدميّ وكانت الافتتاحية بـ 50 ضربة".
بقي الحاجي في فرع أمن الدولة بحلب ثمانية أيام على هذه الحالة دون أن يعترف هو أو رفاقه لأن الاعتراف في عرف معتقلات النظام يعني وضع المشنقة على أعناقهم، وبعد أن تم عرضهم على اللجنة الخماسية برئاسة العقيد "علي حسنو" صدر قرار بتحويلهم إلى دمشق ليواجهوا هناك مرحلة جديدة من التعذيب والإذلال بأبشع أنواعهما.
صباح يوم الجمعة 2011/11/24 تم جمع الحاجي ورفاقه في ساحة فرع أمن الدولة بحلب، ثم تم سوقهم إلى مطار حلب الدولي مكبلي اليدين ومكشوفي العينين وبعد نصف ساعة من الانتظار هبطت طائرة مروحية فنزل منها ثلاثة ضباط برتبة عقيد يحملون على أكتافهم شعار الحرس الجمهوري وكانوا مصحوبين بحوالي 30 عسكرياً، ويروي محدثنا أن عناصر المطار أنزلوهم من الباصات وأصعدوهم إلى الطائرة التي كانت أرضيتها مفروشة بالمسامير والبراغي، وأمروهم بالجلوس جثياً ثم لفوا الجنازير حول أيديهم المكبلة للخلف، ووقف كل عسكري مسلح ببارودته فوق رأس المعتقل، وكان الحاجي يظن أنه سيلقى مصير القتل مع رفاقه في الطائرة ويتم رميهم في الصحراء أو في الأماكن الخالية، ولكن بعد إقلاعها بنصف ساعة سمعوا أحد الضباط يتكلم مع مطار المزة العسكري.
ويردف محدثنا: "بعد هبوط الطائرة باغتنا الوحوش البرية (قواتنا المسلحة الباسلة) بكلمة شو هنت ولااااا" وحين قال لهم نحن من الأمن الجنائي كانت الكلمة بمثابة الصاعقة التي نزلت عليه وعلى زملائه" فانهالوا عليهم بالهراوات والعصي الكهربائية وبأقدامهم، وأعطوهم –كما يروي- أمراً بالانبطاح وبدؤوا يدوسون على رؤوسهم بالبوط العسكري الذي هو كما قال أحد العساكر أشرف مننا لأننا خونة، نأكل من خير هذا البلد ونخون".
بعد حفلة التعذيب في مطار "المزة العسكري" وضع "الحاجي" ورفاقه في سيارات توجهت بهم إلى جهة غير معلومة، وبعد فترة لم يتمكنوا من تحديدها دخلوا إلى ساحة صغيرة، وبعد أن أعطوهم أمراً بالجثو بدأوا بتسجيل أسمائهم.
وأثناء تحدث الحاجي مع رفيق له بصوت منخفض سمعه أحد عناصر امن الدولة الذي كان مفتول العضلات وطويل القامة فأمره بالوقوف وضربه صفعة على وجهه كانت كفيلة بإبعاده حوالي ثلاثة أمتار من قوة الضربة وكان في الطرف الآخر شخص ملقب بـ "أبو صعب" فقال له باللهجة الساحلية.. "ردو بو صعب ردو".
فضربه أبو صعب أيضاً مما أدى إلى كسر أحد أضراسه وامتلاء فمه بالدم، واحتار في أمره -كما يقول- هل يبلع الضرس أم يبصق الدم في الساحة وهو يعرف أنهم سيقومون بمعاقبته إن بصق في الساحة، ولم يتحمل الدم في فمه فبصق، وكانت بداية مسيرة العذاب والعقوبات التي امتدت ما يقارب الشهرين ونصف.
و تم إنزال "الحاجي" ورفاقه عند الساعة العاشرة ليلاً إلى طابق تحت الأرض حيث نزلوا ما يقارب تسع درجات وكان أحد العناصر يقوم بدفعهم -كما يقول- من أعلى الدرج إلى أسفله، حيث كان هناك عنصر آخر يتلقى كلاً منهم بـ "بوكس" على أمعائه وهو مختبئ في الظل لأن "الكيردور" كان مظلماً، وبعد أن يتلقى كل منهم الضربة يأخذ الأرض منبطحاً من شدة الألم ويتابع إلى الزنزانة الجماعية (دعكلة).
كان "الحاجي" -كما يؤكد- أول معتقل يدخل إلى الزنزانة التي كانت بمساحة 3×3 وتضم 47 شخصاً، وبعد أن اكتمل العدد جاء عناصر الفرع وبدأوا بضربهم وشتمهم وإخراجهم الواحد تلو الآخر ليتعرضوا للتعذيب بالدولاب (الفلقة) وكان قانون التعذيب 50 ضربة على الأقدام، لكن في حال صرخ المعتقل أو تحرك من مكانه أو نزلت دموعه من الألم سيبدأ العد من
*اعتقل بسبب السفر إلى قطر
وكشف محدثنا أن زنزانته كانت تضم أبا في الأربعين من عمره مصاباً بالسكري وابنه من مدينة تفتناز، ومهندساً من بلدة "مرعيان" في جبل الزاوية، وكذلك طبيب من حلب، أما أكثر الشخصيات التي أثرت به داخل المعتقل فهو شخص يُدعى "عيسى من دير الزور كان مسافراً إلى قطر وتم اعتقاله لهذا السبب، وإلباسه تهمة حمل سلاح رشاش حتى أنهم كانوا ينادونه "عيسى رشاش" عندما يريدون إخراجه للتعذيب، ولم يكن يتحمل التعذيب لضعف بنيته وقصر قامته، فكان دائم الصراخ من الألم، وكانت هناك -كما يؤكد الحاجي- فتيات أيضاً ونساء في زنزانات قريبة كانت أصواتهن تُسمع بوضوح أثناء التعذيب.
"باستيل" حمص:
بتاريخ 2012/1/13 وبعد صدور قرار عفو يشمل "من لم تتلطخ أيديهم بالدماء"–حسب وصف النظام- شمل العفو "ابراهيم الحاجي" ورفاقه وتم اقتيادهم إلى فرع الشرطة العسكرية في القابون ليمضوا هناك 10 أيام قبل أن يتم اقتيادهم إلى (البالونة) في حمص الذي لم يكن يقل صعوبة عن سجون النظام الأخرى بما فيها صيدنايا، وبعد ستة أيام تم تحويلهم إلى فرع الشرطة العسكرية في حلب وهناك عُرضوا على النائب العام للمحكمة العسكرية، الذي تعمّد تأخير قضيتهم ثم حوّلوا إلى محكمة مدنية ليقتادوا بعدها إلى سجن حلب المركزي في "المسلمية" وبعد 10 أيام عُرضوا على أحد القضاة في القصر العدلي الذي قرر إخلاء سبيلهم مقابل مبلغ من المال ليخرجوا إلى الحرية والنور بتاريخ 2012/4/1.
فارس الرفاعي -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية