أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السودان...و أكلت يوم أكل الثور الأبيض ... بلال حسن التل

جددت زيارة الرئيس المصري المفاجئة للسودان تركيز الضوء أكثر على المشاكل المزمنة التي يعاني منها هذا البلد العربي ، وليس أخطرها مشكلة الجنوب التي استنزفت الكثير من دماء وأموال أبناء السودان الشقيق ، خلال العقود الماضية .

فأخطر من مشكلة الجنوب التي يجب أن تنتهي بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية بزعامة جون قرنق والحكومة المركزية في السودان والتي أعطت لأبناء الجنوب الحق بالتصويت بعد سنوات من توقيع الاتفاقية على البقاء مع السودان أو الانفصال عنه.

 وهو الانفصال الذي قد لا يتحقق بعد كل هذه السنوات من توقيع الاتفاقية وممارسة السلطة من قبل الحركة الشعبية في الجنوب .فقد لمس أبناء الجنوب أن كل ما كانت ترفعه الحركات الانفصالية وعلى رأسها الحركة الشعبية ، لم يكن أكثر من شعارات لتبرير الحرب بالنيابة ، التي كانت تخوضها هذه الحركات ضد الحكومة المركزية وبالتالي وحدة السودان .

 ذلك أنه خلال السنوات التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام حيث تولت الحركة الشعبية حكم الجنوب لم يطرأ أي تحسن على مستوى حياة أهله .بل العكس هو الذي حصل . خاصة بعدما تم نهب كل الملايين التي وصلت للجنوب من قبل أهل السلطة الجنوبيين الذين أوغلوا في الفساد بمشاركة وتغطية مؤسسات غربية وأمريكية على وجه الخصوص .

 فقد صارت مهمة هذه المؤسسات ليس ممارسة الفساد فقط بل تحولت هي بذاتها إلى أداة من أدوات الإفساد للمجتمعات التي تبتلى بها . فتحت مسميات التدريب والتأهيل ، ونشر مفاهيم حقوق الإنسان والديموقراطية والجندر ورفع مستوى المرأة ، يجري التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان كما يجري نهب الملايين من ثروات الشعوب، حيث يتم تقاسم هذه الملايين بين الوكلاء المحليين من مراكز دراسات ومعاهد وأندية وجمعيات وروابط تعيش على فتات التمويل الأجنبي .

وبين الغربيين مؤسسات وأفراد حيث يظفر الغربيون بالنصيب الأكبر من هذه الملايين ، باعتبارهم خبراء ومدربين .فهذه هي حقيقة ما يجري في العديد من بلدان العرب والمسلمين ومنها الأردن . ومن الغريب العجيب أن هذا التمويل الأجنبي لا ينفق لمواجهة المشكلات الحقيقية التي تواجه بلادنا ،ولكنه يصرف على تأجيج القضايا الخلافية . وإلا دلوني على واحدة من هذه الجمعيات أو المراكز أو الروابط التي تحظى بالتمويل الأجنبي استطاعت الحصول على تمويل لدراسة مشكلة المياه في بلدنا. على خطورتها الآن ومستقبلاً ؟

خاصة بعد أن أصبح الماء مشكلة يومية للأردنيين الذين لاتجد نسبة كبيرة منهم حصتها من مياه الشرب إلا بشق الأنفس وبأثمان باهظة. وأين هو التمويل الأجنبي لواحدة من المراكز أو الجمعيات أو الروابط لدراسة مشكلة التلاسيميا التي تعاني منها نسبة متزايدة من أطفال الأردن؟ خاصة في ظل التراجع الذي تشهده الرعاية الصحية في بلدنا، والتي صارت تبشر بعودة الكثير من الأوبئة التي اعتقدنا أنها انتهت من بلدنا كالسل مثلاً.وكذلك عودة الكثير من السلوكيات الصحية المضرة التي أدت إلى عودة القمل إلى رؤوس طلاب بعض مدارسنا . وأين هو التمويل الأجنبي الذي ينفق على تدريب شبابنا المهني أو في سبيل إقامة مشروعات إنتاجية صغيرة لهم.


ما نريد أن نقوله أن الغربيين وتمويلهم لايهدف إلى حل مشكلاتنا. بل إنه يهدف إلى خلق المزيد منها، وتعقيدها من خلال تركيزه على القضايا الخلافية، التي تمزق الصفوف وتشرذم المجتمعات. والتي لا يستفيد من الأموال التي تنفق عليها أحد أكثر من الذين يõسوقون في بلادنا على أنهم خبراء ومدربون. مع أن العمر الزمني لبعضهم لايسمح باعتباره متدرباً لا مدرباً لكنها سطوة المال التي تخلق لأصحابها فرص العمل على حسابنا وبدعوى تدريبنا ويجري التدرب بنا ونحول إلى حقل تجارب للغربيين
تماما مثلما تصر بعض الدول التي تقدم مساعدات للدول الفقيرة ، على انفاق هذه المساعدات على شراء منتجات من شركاتها ومصانعها بصرف النظر عن حاجة هذه الدول ورعاياها لهذه المنتجات .وهو ما حصل في جنوب السودان خلال الفترة المنصرمة منذ توقيع اتفاقية السلام حتى الآن

. وهي نفس الفترة التي استثمرها الغربيون لتأجيج مشاكل أخرى في السودان من بينها مشكلة دارفور. التي يحول الغربيون دون حلها حلاً لا يتناسب مع مصالحهم وأهوائهم ورغبتهم بالسيطرة على ثروات هذا الإقليم وفي طليعتها البترول .


كما أن استمرار مشكلة دارفور من شأنه توفير فرصة دائمة لقوى الاستكبار العالمي للتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد العربي المسلم .والسعي لتمزيقه أكثر فأكثر .ولذلك فإن الاخوة في السودان يراقبون بقلق بالغ عمليات التسلح الكثيف في منطقة النيل الأزرق التي قد تكون المشكلة الأخطر التي سيواجهها السودان في القادم من أيامه .تنفيذاً للقرار الغربي بأن يبقى هذا البلد العربي في حالة توتر، تحول دونه ودون الاستقرار والانصراف إلى البناء والتنمية. لأن من شأن ذلك الإسهام بتقديم حل جذري لمشكلة الأمن الغذائي العربي . فالسودان قادر على أن يكون سلة غذاء العرب .وهو أمر مرفوض امبرياليا وصهيونياً .خاصة وأن هناك علاقة وثيقة بين ما يجري هنا في فلسطين وما يجري هناك في السودان .

فبالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه السودان في تحقيق الأمن الغذائي العربي ، فإن للسودان دوراً مركزياً في حماية الأمن المائي العربي ، خاصة بالنسبة لمصر هبة النيل. فالسودان القوي الآمن المستقر يعني حماية أكبر لمنابع النيل، ومن ثم حماية لأمن واستقرار مصر الدولة العربية المحورية التي تبذل جهود غربية، وخاصة من قبل أمريكا واسرائيل لإضعافها وتهميش دورها القومي. ولإشغالها بقضايا داخلية عن قضاياها القومية وليس أمضى من سلاح منابع النيل سلاحاً يلوح به في وجه مصر.

 من خلال السعي الإسرائيلي للتغلغل في إفريقيا والتحكم في قرارات دولها وصولاً إلى التحكم بمنابع النيل ومن هنا الإصرار على إشغال السودان بقضاياه الداخلية والعمل على إضعافه وتفتيته. فالسودان القوي حماية لظهر مصر، ومن ثم للظهر العربي كله الذي تجري محاولات طعنه عبر إفريقيا التي يشكل السودان عمقنا العربي فيها ،وهو العمق الذي بذلت جهود جبارة لفصله عن سائر القارة السوداء خوفاً من أن تنتقل إليها المناعة الثقافية التي يتمتع بها السودان .فأحد أسباب النقمة على السودان هي مناعته الثقافية فبسبب الثقافة العربية الإسلامية المتجذرة في الشعب السوداني رفض هذا الشعب التسليم للمستعمر .

 وظلت هويته عربية إسلامية مقاومة .وهي المقاومة التي سعى وما زال الغربيون إلى حجب تأثيرها عن سائر أجزاء القارة السوداء .عبر إقامة حواجز بين السودان وبين عمقه الإفريقي، تمنع تأثيرات السودان الثقافية على هذا العمق . مع إصرار على تجزئة السودان لحرمان الأمة من إمكانياته وقدراته والأدوار الاستراتيجية التي يمكن أن يلعبها على صعيد الأمن الغذائي أو المائي أو الثقافي.
ما يحري في السودان هو جزء من الحرب الشاملة التي يشنها الغرب ضد أمتنا. فهناك علاقة وثيقة بين المعركة في فلسطين ، والمعركة في العراق ، والمعركة في لبنان والمعركة في السودان. فكلها معارك في حرب واحدة تستهدف أمتنا التي لا خلاص لها إلا بالرد الشامل ،عبر توحيد جهودها وحشد إمكانياتها لمواجهة هذه الحرب الشاملة وإلا لن ينفعنا أن نتذكر متأخرين الحكمة القائلة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وحتى لا يõؤكل الثور الأبيض فنؤكل ،فإن علينا أن نقف إلى جانب السودان ، في معركته الطاحنة التي يخوضها نيابة عن أمته ، وحماية لظهرها وحفاظاً على وجودها الحضاري والثقافي في إفريقيا التي ينتمي إليها غالبية العرب من حيث عدد السكان .

وأول خطوات الوقوف مع السودان ان ننتقل من مربع المتفرج والمراقب لما يجري في السودان والتعامل معه كأنه حريق ينشب وراء المحيطات ،إلى التعامل معه كحريق يشب داخل بيتنا لا يجوز أن نقف متفرجين عليه بل لابد من أن نسهم في إطفائه ومنع امتداده إلى سائر أركان البيت الذي صارت أركانه كلها مهددة بسبب تقاعس أبنائه ولا نريد أن نقول مشاركتهم بإشعال الحرائق فيه والمساهمة بهدم أركانه

(111)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي