300 ألف.. رقم لم يكن ليصدقه مجنون، لكنه مر على زمرة من العنصريين في لبنان، بل وبصموا عليه بالعشرة، وهم يتناقلون خبرا استخف بعقولهم يقول ناشره إن هناك 300 ألف سيدة سورية حاملا في لبنان هذه السنة فقط، وإن هؤلاء الحوامل -عندما سيلدن- سيرفعن عدد السوريين اللاجئين في هذا البلد إلى مليوني شخص.
ووفقا للخبر الذي أطلقته إحدى الصحف الصفراء وتولت مواقع من ذات اللون توسيع نطاقه ونشره بين العامة كحقيقة.. وفقا لهذا الخبر فإن نسبة الزيادة على السوريين خلال سنة ستكون نحو 19%، وهي نسبة خارقة لأي ناموس، حيث إن أعلى نسب التزايد السكاني في العالم تناهز بالكاد 4% إن لم تكن تقل عن ذلك.
الخبر كان فرصة للكشف من جديد عن مستوى آخر من مستويات العنصرية والدونية التي يتعاطى بها لبنانيون، يقدمون أنفسهم من النخبة، ومنهم "إعلاميون"، عندما يتعلق الأمر بأي قضية تخص السوريين حتى ولو كانت كذبة مفضوحة، لاتحتاج كثير تفكير لتنفيدها وإسقاطها.
دونية العنصريين اللبنانيين الذين نشروا الموضوع وتعاملوا معه كحقيقة لا تقبل الجدل، لم تكن فقط في شكل الطرح الذي رأى أنه ليس من حق اللاجئين أن ينجبوا الأطفال، بل وصلت إلى مضمون الطرح الذي غرق في مستنقع من الألفاظ النابية لدى البعض، أما من اختار "تخفيف العيار" فقد لجأ إلى تلميح لا يكاد يبعد كثيرا عن التصريح، في موضوع حساس يعد من صميم خصوصيات أي شخص، مهما كان انتماؤه أو وضعه.
"أحمد.م. ياسين" الللبناني العامل في إحدى أهم المحطات العربية الجديدة والمناصرة لقيم الحرية والديمقراطية، واحد من الذين تولوا التعامل مع كذبة الـ300 ألف كأنها حقيقة، لابل إن هذا الإعلامي الذي يقدم نفسه بصفة "ناشط سياسي واجتماعي ومرشد" أعطى حيزا واسعا من يومه و"نشاطه" لتغريد وإعادة تغريد بعض ما يتعلق بالكذبة، متكرما بإقرار حق "السوريين في الإنجاب"، شرط أن يعرفوا أن "الإنجاب ظروف الفقر والحرب والتشرد هو جريمة بحق المواليد الجدد وقلّة وعي أسرية".
وعندما تم إخطار "ياسين" أن الخبر تم تكذيبه رسميا، تساءل باستغراب عمن كذبه، دون أن يعطي عقله فرصة للتفكير بضخامة الرقم، وبالتالي حجم الكذبة الذي يستحيل معه ابتلاعها.
أسلوب الوصاية على حريات وخصوصيات الناس، مارسه "ياسين" المحسوب على تيار "المقاومة" بحجة الخوف على مستقبل أولاد اللاجئين، وبـ"خلفية توعوية لا عنصرية" كما ادعى بعدما قُدم له الدليل الرسمي على كذب النبأ، متناسيا أن التدخل في خصوصيات الناس هو أحط درجات العنصرية، أيا تكن مبرراته، وأن إلباس هذه العنصرية ثياب الشفقة يزيد من انحطاطها، لأنه يظهر نزعة التعالي على الناس والتكبر على خياراتهم، وهو ما أثبته "ياسين" عندما رد على بعض منتقديه قائلا: "ليتكاثروا (السوريون) كما يشاؤون لكن بوعي ونظرة إقتصادية، وليس بعشوائية مفرطة"!
هذه العنصرية المغلفة بالشفقة، استمرأها معلقون آخرون تولى "ياسين" إعادة تغريداتهم، ومنها تغريدة تقول:" لنفهّم الناس شو يعني منع حمل؟ و شو يعني توعية أسرية، وشو يعني حرام تجيب ولد وأنت ظروفك أسوأ من السيئ؟"، متناسين أن أولاد بلدهم –اللبنانيين أنفسهم- لم يتوقفوا عن الإنجاب طوال 15 عاما من الحرب الأهلية.
"أحمد.م. ياسين" رغم كل مساوئ تعاطيه مع الخبر الكذبة، لم يكن الأسوأ، فقد نافسه "زميله" الإعلامي "نسيم بوسمرا" من التيار العوني، حيث وضع خبر الـ300 ألف برسم من سماهم "السخفاء في جمعيات حقوق الإنسان والمدعين الأخوة مع السوريين النازحين والمدافعين عنهم".

وتابع "بو سمرا" خالطا عنصريته بحقده: "ما رأيكم أن النازحات السوريات لا يملكن الوعي ولا الثقافة ليمتنعن عن الانجاب وهن ساكنات في خيمة، فيمارسن الجنس ويحبلون على رغم مآسيهم في الخيمة، وهنا كلمة مآسي مشكوك بها لأن المنظمات الدولية تقدم لكل عائلة مساعدات ليعيش السوريون في لبنان ببحبوحة لا تعرفها العائلات اللبنانية، والأنكى من ذلك ان الرجال كما النساء يعملون ويجنون الأموال ويضاربون على اللبناني في سوق العمل، إضافة الى المساعدات التي تأتيهم".
ودون خشية من عقاب أو حتى مساءلة على جريمة التحقير، قال "بوسمرا" متحديا منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان: يمكنكم اليوم أن تضيفو عنصريا آخر إلى جبران باسيل وهو أنا، الذي أصف النازحات السوريات في لبنان بالأرانب، لأن الأرنب وحده من ينجب هذا الكم".
وجبران باسيل هو الوزير الللبناني المعروف بلهجته العنصرية ضد السوريين، وهو صهر الرئيس الحالي "ميشيل عون" وأحد أعمدة تياره "الحر".
لم تأت كذبة الـ300 ألف بجديد فيما يخص وجود تيار عنصري متدثر في غالبه بعباءة الطائفية في لبنان، فقد سبق لهذه العنصرية أن تجلت حتى في الهواء الذي يتنفسه هؤلاء، حينما ادعوا أن "اللاجئين السوريين" هم من زادوا نسبة تلوثه.. لكن الكذبة الكبيرة كشفت بالمقابل عن نزعة لا يمكن السكوت عنها.. نزعة تخلط العنصرية بالتكبر بالانحطاط اللفظي وقذف الناس، يتوقع لها أن تتمدد وتتورم أكثر لاسيما أن من أطقلوا الكذبة ومن أضافوا عليها بهارات أخلاقياتهم لم يجدوا من يلوح بمساءلتهم عما اقترفوه، ولا من يقول لهم "كفى"
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية