يبحث (م.س) عن عمل منذ أكثر من عام، وهو الصحفي المحترف قبل الثورة، ومن أوائل من انشقوا عن مؤسسات النظام السوري، وفي أحسن ما قد يحصل له أن يوافق موقع إلكتروني معارض على النشر له مقابل مبلغ ربما لا يكفيه لإيجار شقة صغيرة في غربته وما يمكن أن يسد جوعه.
يقول (م.س) لا أبحث عن منصب يدّر عليّ آلاف الدولارات شهرياً، ولا أريد أن أقود سيارة فاخرة، ولا أحلم بشقة حديثة في شارع "ملكي" في شوارع المدن التي اتنقل بينها، ومن اسطنبول إلى باريس جربت كل أنواع العمل الصحفي، لكن الطرق ضيقة لأمثالي، واليوم أن في باريس منذ سنة ونصف بالكاد وصلت إلى اتفاق مع موقع إلكتروني لم يصمد أكثر من شهر، والآن أعيش على ما تقدمه الدولة الفرنسية.
أما (م.ع) المقيم في تركيا فقد اضطر إلى العيش دون عائلته بسبب عدم قدرته على إعالتها، وهو الإعلامي الذي قارب الستين من عمره، وفي كل مؤسسة معارضة دخلها لم يصمد أكثر من أيام.
يقول (م.ع) أنا ابن المهنة منذ أكثر من 30 عاماً قضيتها في أكبر المؤسسات العربية الإعلامية، مع ذلك لا أجد لي مكاناً اليوم في هذه (الدكاكين)، فقد احتلها الناشطون والانتهازيون والدخلاء على المهنة، ألا ترى كيف حال هذا الإعلام المعارض؟.
هذه القصص تسمعها من أغلب الإعلاميين السوريين المحترفين في شتى بقاع الشتات، وفيما يعيش بعض المتطفلين على المهنة في بحبوحة فائضة، ويجولون محال السهر بأموال الممولين الذين لا يبحثون عن منجز لصالح الثورة أو الإعلام المعارض البديل بل عن فواتير يوقعها هؤلاء من دون أي عناء، حيث تتحول فيما بعد إلى أرصدة بنكية.
في "عينتاب" التركية تجتمع أغلب مؤسسات الإعلام المعارض، وإن بدأ قسم منها بمغادرة المدينة أو انتقل إلى مدن أخرى بعد سلسلة اعتيالات أو تضييق على عملها غير المرخص، وهذه تعج بالناشطين الأوائل الذين تحولوا إلى إعلاميين ونجوم نشرات الأخبار.
بعض هؤلاء بعض أن أشبع بطنه وجيبه بدأ بالخروج إلى أوروبا بدعم من مؤسسات صحفية كبرى بحجة تعرضه لتهديدات بالتصفية بسبب مواقفه من بعض التنظيمات الإرهابية، وهم الآن انكشفوا على بحبوحتهم، وعدم انتمائهم إلى الجسد الإعلامي بالكاد يسطر أحدهم (بوست) ينتقد فيه عمل الآخرين، أو يضع صورته الجديدة بجوار نهر السين أو أمام مول تجاري ألماني..الخ.
بقية الدكاكين العاملة تصرف أموالها في الندوات والمراكز البحثية، ودفع الرواتب بالدولار من أجل تمرير المال، وأما منتجها فأغلب السوريين باتوا يتابعون أخبار بلدانهم من وسائل أخرى، وتكاد تصاب بالدهشة من أن بعضهم بات يتابع صفحات موالية للنظام.
بعض الإعلاميين يعمل لوحده، ويكتب لأكثر من وسيلة إعلامية من دون ضجيج، وهؤلاء آثروا الانزواء حفظاً لكراماتهم من أن تراق في مكاتب مدراء الإعلام المعارض الطارئين، وهم يعملون على مبدأ "قليل من الماء وكثير من الكرامة".
في يوم الصحافة العالمي بات الإعلاميون السوريون متسولين على أبواب دكاكين الإعلام البديل المعارض الذي أفرزته سنوات التحول الجديد، وهي في أغلبها مؤسسات غير ناضجة ومنهوبة، ومن فر بكرامته إما لاجئ جائع أو مضطر للعمل في ظروف جديدة على هامش بعيد عن موهبته وكرامته.
ناصر علي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية