مرة أخرى يتصدر لقب "البلجيكي" صفحات الجرائد والشاشات، مع الحديث عن هجوم باريس الأخير، ليعيد تأكيد النظرية التي تصنف بلجيكا كأول دولة مقر وممر لكل المتشددين الأوروبيين، على اختلاف وتوسع رقعة عملهم، بدءا من العراق وسوريا، وصولا إلى قلب أوروبا في باريس وبروكسل (هذه الأخيرة تعد عاصمة الاتحاد الأوروبي وتستضيف كل مؤسساته الكبرى تقريبا، فضلا عن كونها المقر الرئيس لحلف "ناتو").
صحيح أن هجوم باريس الأخير لم يكن دمويا وضخما، قياسا إلى ما سبقه من الهجمات وعطفا على حجم الخسائر البشرية (مصرع شرطي وجرح آخر)، لكن آثاره المرتقبة كبيرة، لاسيما أنه يأتي على بُعد أيام من انطلاق التصويت في انتخابات الرئاسة الفرنسية، وهي مناسبة يعول عليها اليمين المتطرف كثيرا لحصد أكبر قدر من الأصوات، تحت راية "مارين لوبين".
وجاء كشف تنظيم "الدولة" عن هوية منفذ الهجوم تحت اسم "أبو يوسف البلجيكي"، ليسلط مزيدا من الضوء على ظاهرة إيواء "بلجيكا" وتصديرها لمئات المتشددين، وحقيقة الفشل أو التخاذل الذي تظهره سلطات الأمن البلجيكية تجاه هذه واقع قديم ومثبت ومكشوف.
*بالمئات
تظهر وثائق التنظيم التي تمتلكها "زمان الوصل" أن مئات العناصر الذي التحقوا بـ"الدولة" في سوريا، هم ممن يحلمون الجنسية البلجيكية أو يقيمون في بلجيكا، أو سبق لهم أن زاروا بلجيكا، وأن الجزء الأكبر من هؤلاء يعود إلى أصول شمال أفريقية (من بلدان الشمال الأفريقي).
ومن بين هذه الوثائق، وثيقة تجنيد خاصة بشخص يكنى "أبو يوسف البلجيكي"، من غير المؤكد ما إذا كان هو نفس الشخص الذي أعلن تنظيم "الدولة" عنه بوصفه منفذ هجوم باريس الأخير.
وتكشف الوثيقة أن الاسم الحقيقي لـ"أبو يوسف البلجيكي"، هو "ب.ب.م" (تحتفظ زمان الوصل بالاسم كاملا)، وهو من مواليد سنة 1973، متزوج ولديه أطفال، يحمل الجنسية البلجيكية ويعود بأصوله إلى المغرب.
دخل "البلجيكي" إلى سوريا من معبر الراعي (ريف حلب) قبل نحو 3 سنوات تقريبا، حيث زكاه (شهد بمعرفته وأهليته) شخص يكنى "أبو أويس المغربي".
ومن اللافت في وثيقة "البلجيكي" أنه سجل ضمن لوائح "الاستشهاديين"، وهو المصطلح الذي يطلقه التنظيم على كل من ينوي تفجير نفسه، إما عبر حزام ناسف أو سيارة مفخخة.
ووفقا للوثيقة الخاصة به، فقد كان "البلجيكي" يعمل بصفة "كهربائي" قبل التحاقه بالتنظيم، موردا رقمين للتواصل مع من يهمهم أمره في حال حصل له طارئ (لاسيما في حال قتله).
"صدّرت" بلجيكا، وفق تقديرات رسمية وأخرى لمراكز أبحاث متخصصة، ما بين 450 و600 متشدد، وهو يمثل رقما ضخما بالنسبة لبلد يقارب عدد سكانه 12 مليونا، ما يعني 50 متشددا مقابل كل مليون.
وقد تشكل بيئات الفقر والبطالة والعزلة التي تعيش في جوها غالبية أحياء "المهاجرين" في بلجيكا، عامل تحفيز وتوجيه، لكن الترهل والتراخي الذي تتعاطى به أجهزة الأمن البلجيكية في مراقبة وملاحقة المشتبهين أمنيا وجنائيا، يشكل في الحقيقة العامل الأبرز في تمدد ظاهرة إيواء وتصدير المتشددين، وهي نظرة يتفق عليها معظم الباحثين المعنيين بشأن التطرف، بل وحتى رجال المخابرات حول العالم.
وقد يكون لطوفان الفشل الذي تغرق به المخابرات البلجيكية، علاقة ما بظروف هذا البلد، وانقسام سكانه على هويتهم الحقيقة، حيث يعيش الناس ما يسميه البعض نظام الفصل "الهوياتي" واللغوي، بين الفرنسية والهولندية، ما ينعكس على كل شيء "بدءا من المكتبات العامة لأجهزة الحكومة المحلية والإقليمية، والنظام التعليمي، والأحزاب السياسية، والتلفزيون الوطني، والصحف، وصولا إلى فرق كرة القدم. فلا توجد رواية وطنية في بلجيكا، وإنما حكايتان، واحدة بالهولندية والأخرى بالفرنسية".
ويبدو أن هذا الانقسام لا يوفر أجهزة الشرطة والمخابرات من تداعياته، حيث تضاف الحواجز اللغوية إلى تعقيدات الإجراءات الإدارية، لتزيد مسافات البعد وانخفاض مستوى التنسيق بين 6 إدارات شرطة محلية مختلفة، وجهاز شرطة اتحادي، تضمهم العاصمة بروكسل.
على الهامش
سبق لـ"زمان الوصل" أن انفردت بتقريرين من سلسلة #خرق_النواة، سلطا الضوء على هوية عناصر من تنظيم "الدولة" يقيمون في بلجيكا أو يحملون جنسيتها:
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية