شكل إلغاء أو تأجيل الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي كان متوقعا له أن يجري في القاهرة حالة من الإحباط في الشارع الفلسطيني كانت اكبر بكثير من حالة التفاؤل التي عمت هذا الشارع عند بداية الحديث عن إمكانية التصالح بين الفلسطينيين وخاصة بين طرفي النزاع الرئيسيين فتح وحماس، حيث راهن الكثير من الناس على إمكانية انتهاء حالة الانقسام والعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل الرابع عشر من حزيران من العام الماضي عندما انفجرت الأحداث بطريقة غير مسبوقة في الواقع الفلسطيني.
في الواقع إن من تابع ما يجري في الساحة الفلسطينية بشكل دقيق كان لا بد له من أن يدرك أن عملية المصالحة ليست بتلك السهولة التي حاول البعض الترويج لها، خاصة في ظل تراكم الكثير من الأحداث التي عمقت الكراهية والأحقاد، كما إن كثير الدماء التي سالت كنتيجة مباشرة لحالة الصراع التي سادت بين الفصيلين لم يكن من المكن أن يتم تجاوزها هكذا بسهولة وبدون عقبات، خاصة في ظل ثقافة وتراث وعادات وتقاليد نعلمها جميعا، هذا عدا عن أن ما حدث سبب أضرارا بالغة لبعض الجهات عدا عن أن الواقع الجديد اوجد ما يمكن أن نطلق عليه "شريحة" مستفيدة من هذا الانقسام الذي صار له من ينظر له ويروج "لفضائله" وان لا مانع من أن ينسلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية.
خلال الفترة التي سبقت الإعلان الفعلي عن تأجيل الحوار صارت الأمور أكثر وضوحا حيث بدأت اصطفافات بشكل شبه علني في الساحة الفلسطينية وهذه الاصطفافات برغم وجودها منذ البداية إلا أنها لم تكن بنفس الفظاظة التي بانت عليها خلال الفترة الأخيرة، ولم تقتصر هذه الاصطفافات على الساحة الفلسطينية أو المحلية بل هي تعدتها لكي تصبح اصطفافات عربية وإقليمية حتى وإن كانت غير معلنة، ولا نعتقد بان هناك الكثير من المبالغة عندما نقول دولية.
هذه الاصطفافات والتوجس من شراك تنصب هنا وهناك جعلت أطراف النزاع تقدم بحذر شديد على موضوعة المصالحة ولم يكن هناك أبدا نوايا حسنة في تفسير أي موقف أو تصرف أو تصريح أو بادرة أو حتى زلة لسان غير مقصودة أو طبعا أي فعل يصدر من هذا الفريق أو ذاك، لا بل وصار ينظر بنفس الطريقة إلى كل شاردة وواردة ممن يعتبر محسوبا على هذا الفريق أو ذاك.
التعامل بهذا الشكل الحذر لا ينم عن توجهات طيبة أو نوايا حقيقية، وهذا ما كنا قد اشرنا ليه في أكثر من مقال عندما قلنا بان الحوار الفلسطيني الفلسطيني لن يكون مهما أو مجديا أو مفيدا إن لم يكن هناك إرادة حقيقية لإنجاح الحوار، وانه لن يكون نافعا إن لم تتوفر النوايا الطيبة لدى الأطراف المتحاورة، حيث إن عدم توفر الإرادة الحقيقية والنوايا الطيبة لن يقود إلا إلى مزيد من الفرقة والإحباط كما والخداع للجماهير الفلسطينية التي تراهن على هذا الحوار وانه سوف يضع حدا لحالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، أن يتم تكرار نفس الشعارات التي سمعها الناس على مدار الأشهر الماضية لا يمكن أن يكون توجهات طيبة، والعودة إلى النغمة ذاتها والتي اختفت لفترة بسيطة لا يمكن أن يكون مؤشرا طيبا.
الذي راقب ما يجري في الساحة خلال اليومين الماضيين وما قبل ذلك لاحظ بان الفصيلين انزلقا ممثلين بأعلى المستويات إلى درك سيء من التلاسن والتراجم والتجاذبات التي لا يمكن أن تساعد على تضييق الشرخ أو الهوة، إن هذا التراجم في وسائل الإعلام المختلفة وعبر الفضائيات ومحاولات التلميح أو التصريح حول تورط هذا البلد أو ذاك إنما يجر الساحة والخلاف إلى مزيد من التعقيد الذي نعتقد بأننا لسنا بحاجة إليه وهذا يعقد ولا يحل.
لقد كان من المؤسف جدا أن فصيلي النزاع أصبح همهما هو تعرية بعضهما البعض وكما جرى في بداية الانقسام كل يريد تحميل المسؤولية للآخر، والكل يدرك أن لا حل بدون اتفاق وان حالة الانقسام لن تكون مفيدة إلا "للعدو الرئيسي" ممثلا بإسرائيل، هذا العدو الرئيسي الذي يتحدث عنه الجميع بات مغيبا من المشهد الذي "نتفرج" كما ويتفرج عليه العالم بشكل يومي، وصارت المشكلة لا علاقة لها بإسرائيل، ومن استمع إلى ما قاله الرئيس عباس أو ما قاله سعيد صيام لن يجد في أقوالهما أي شيء حول إسرائيل وكانت القضية هي حماس بالنسبة لعباس كما كانت القضية هي فتح وعباس بالنسبة لصيام.
الحديث بهذه الطريقة أصبح ممجوجا وغير مرغوب فيه لأنه تكرار لما تم قوله خلال فترة ما بعد الانقسام وربما يكون باختيار جمل وصيغ مختلفة إلا أنها لا تقود إلا إلى المعاني ذاتها، الناس " ملت وقرفت" كل هذا التجاذب، وهي وان استمعت، وهي وان سكتت أو صمتت، وهي وان لم تتحرك لتقلب الطاولة على رؤوس الجميع، فلأنها ربما مصابة بحالة من الإحباط الشديد، وهي إذا ما وصلت إلى درجة ما معينة سوف تفعل، المطلوب من كلا الفريقين أن يتوقفا عن عملية "الردح" الممجوجة التي نشهدها منذ أكثر من عام لان ما يحدث ليس سوى إساءة غير مقبولة للقضية الفلسطينية بكل ما فيها - تاريخ، شهداء، أسرى، جرحى، معاناة وكل العناوين الأخرى- كما انه لا يخدم سوى دولة الاحتلال وهذا ما يؤكد عليه كل من تسمعه من فتح وحماس قادة وقواعد، وإذا كانت هذه قناعة راسخة لدى الفريقين إذن لماذا الاستمرار بتقديم مثل هذه الخدمة للإسرائيلي، ولماذا لا يتوجه الجميع إلى مصالحة حقيقية تنهي هذا الواقع الأليم؟، أم ترى هي القضية ذاتها لا نوايا ولا إرادة؟
2008-11-14
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية