أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"طوبي للساعين إلى السلام......" ... مهى عون *

                        

"طوبى للساعين إلى السلام ،لأنهم أبناء الله يُدعَون".

(إنجيل متى 5 )


       بركة يعطيها الله الإله الواحد الأحد لكل الساعين إلى السلام والوئام بين البشر، لأي دين ولأي حضارة انتموا.

  وهذه العبارة هي واحدة من عبارات التبريك العديدة الواردة  في الإنجيل المقدس، يقابلها طبعاً آيات عديدة  في القرآن الكريم، تعد بالثواب والجنة لصانعي الحوار والسلام  ومنها :"والله يدعو إلى دار السلام " وأيضاً" وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين"
 
      وإذ يلتزم بعض البشر بالتعاليم الربانية ويعملوا بموجبها، نرى بالمقابل البعض الآخر وقد نكل بهذه التعاليم إما عن طريق الابتعاد عنها ، أو عن طريق استعمالها بغير معانيها الحقيقية، لتوظيفها ضمن أهداف سياسية مشبوهة.

 وإذ تتصدر مبادرة العاهل السعودي "للحوار بين الاديان والثقافات" مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، تقابلها مقاطعة ونفور من قبل دول ومنظمات أصولية متطرفة تعمل على نبذ الاختلاف، فتلاحق الأقليات الدينية، وتضطهد الأديان والملل والمذاهب المغايرة.

  ولقد تخطت مبادرة العاهل السعودي هذه المواقف المناهضة، والتأم المؤتمر بنجاح في مركز الأمم المتحدة في نيويورك، بحضور ممثلين من 60 دولة وبحضور 17 رئيس دولة، دون أن يعيقه التشويش الإعلامي المتعمد، الذي رافق بداية انعقاد جلسات المؤتمر.

 وكانت بعض الأطراف المتضررة من الدعوة إلى السلام والوئام بين مختلف الأديان والثقافات،قد ادعت بأن هذا المؤتمر إنما يشكل مدخلاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، متحججة بمشاركة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريس في أعماله.

ولقد أخذ رئيس الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة على نفسه مهمة الرد على هذه الادعاءات، فقال"بأننا هنا لنواجه العدو الأول وهو الجهل ،أي جهل الآخر وليس لبناء جبهات ضد أي طرف أو دولة" .

وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد أشاد عند استقباله للعاهل السعودي بجهوده الجبارة لجلب هذه المبادرة إلى حضن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أهم وأول مركز للسلام العالمي .

واعتبرت الصحف ووسائل الإعلام العالمية التي غطت أعمال وجلسات هذا المؤتمر،  بأن مبادرة العاهل السعودي سوف تساهم في عملية تعزيز موقع المملكة العربية السعودية على المستوى العالمي، ناهيك عن تأكيدها على الدور المحوري الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في كل مجريات السياسية الشرق أوسطية من  ناحية تحديد مستقبل الأمة العربية جمعاء.

      وكان العاهل السعودي قد افتتح الجلسة الأولى لمؤتمرات حوار الأديان والثقافات في شهر يوليو الماضي في مدريد في اسبانيا، وها هو اليوم يجدد هذا اللقاء الهادف للتأكيد على  مبادرة مد اليد، والساعي لتمكين ما بني من جسور نتيجة مؤتمر مدريد، ولتبديد الانطباع السيئ العالق في الذهنية الغربية تجاه الإسلام بعد أحداث 11 أيلول، والأعمال الإرهابية التي تلته.

وخادم الحرمين الشريفين، البدوي العربي الأصيل، معروف بكونه رجل الإنسانية والعطاء، ومشهود له بنظافة الكف ،وبتنور العقل، وبشرف المقصد، وتواضع القلب، ولقد فأجا الجميع في نيويورك عند ركوبه الحافلة المتوجهة إلى مبنى الأمم المتحدة مع الوفد السعودي المرافق، بدل السيارة التي كانت موضوعة بتصرفه.

        ان هذه المبادرات اللقاءات والحوارات الخيرة التي يسعى إليها العاهل السعودي، لهي مباركة وميمونة، ولها عند الله أجر وثواب عظيمين، خاصة وأن السعودية تعتبر قبلة أهل السنة والمسلمين أجمعين،ونظراً لما تحمله من مكانة ورمزية دينية.

 ولقد ورد في القرآن الكريم قول للدعوة إلى الحوار بين الأديان إذ قال الله عز وجل "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة وجادلهم بالتي هي أحسن"(النحل 123).

 ومما جاء في كلمة الملك عبدالله في هذا المؤتمر : "إن الإرهاب والإجرام أعداء الله، وأعداء كل دين وحضارة، وما كانوا ليظهروا لولا غياب مبدأ التسامح والضياع الذي يلف حياة كثير من الشباب." ولقد دعي في  كلمته أيضاً للاتعاظ من تجارب الماضي الأليمة والمشؤومة والتي لم تؤدي سوى للمزيد من الأحزان والمآسي والقتل والخراب.

      وإذا كان الاتعاظ من الماضي القريب ضروري لتحسين الأداء، ولتصويب منهج التعامل مع الاختلاف، لا بد من العودة أيضاً إلى الماضي الأبعد، والاتعاظ من نهج النبي محمد(ص)، وصحبه.

ولقد كان للإسلام مع إخوانه إتباع الشرائع السماوية الأخرى قصصا يرويها التاريخ بإعجاب وإكبار وتقدير .
فلم يُسمع أن الرسول (ص)،أو أحد من أتباعه أو صحبه أو خلفاؤه أمر بقتل نصرانياً لأنه لم يُسلم.

وما التحوير الذي يصيب الدين الحنيف اليوم على يد المتشددين  التكفيريين سوى من باب استعمال الدين لإغراض سياسية مشبوهة.

هذا مع العلم أن الإسلام قد عني عناية فائقة بثقافة السلام، أما وقد تناوله القرآن الكريم في العشرات من آياته الكريمة .

ولقد جعله الله من تحياته إلى عباده حيث دعاهم إلى مبادرة إلقاء السلام على بعضهم البعض في جميع مجالات الحياة. ولقد سمى القرآن الجنة "دار السلام".

والله يدعو إلى دار السلام قائلاً: "يهدي الله به من اتبع رضوانه سبل السلام"  .

من هنا كان السلام شعار المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها منذ ظهور الإسلام حتى الآن.

       ولا بد أن يكون هذا الشعار مرتكز من مرتكزات تعامل  المسلمين ليس فقط فيما بينهم، ولكن مع باقي البشر أيضاً.

 ومسعى السلام الذي حمله العاهل السعودي إلى العالم أجمع، هو سلام حقيقي، نابع من الكتب السماوية على اختلاف أديانها.

وقيمته ليست دينية فقط، لأن "السلام"  يشكل إسماً من أسماء الله الحسنى، بل قيمته هي مطلقة، من ناحية شموليته لمعاني وقيم الإنسانية جمعاء.

 e.mail:[email protected]
                    
    
         

 

كاتبة لبنانية *
(98)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي