أخيراً أسدلت ستارة مهرجان دمشق السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة، وكما كان شرف الافتتاح للفنانة سوزان نجم الدين، كان لها شرف الاختتام والتكريم. وكأن الساحة السورية قد خلت من فنانين آخرين كان يمكن لهم أن يكونوا هم من يسدل الستارة.
ولعل متتبع ضيوف حفل الاختتام سيجد أن حاله كحال حفل الافتتاح، حيث تغيب عدد كبير من الفنانين عنه. حتى أولئك الذين كانت لهم مشاركة في الأفلام التي كانت في إطار المسابقة الرسمية.
فقد تغيبت سلافة فواخرجي، وتغيب مخرج فيلم حسيبة السيد ريمون بطرس، ولم يحضر حفل الاختتام سوى الفنانين المكلفين بتوزيع الجوائز على الأفلام الفائزة، والمكرمين في حفل الاختتام.
أما الفقرة الفنية، فلم تخرج عن الافتتاح في شيء، حيث قدمت فرقة سما رقصة سبق وأن قدمتها في الافتتاح مواكبة لأغنية "زينوا المرجة".
أما الفنانون المصريون الذين دعوا إلى المهرجان في إطار جعل المهرجان كرنفاليا، فإننا لم نشهد من هذه الكرنفالية شيئا، فالنجوم كانوا نجوم ليل، لم يتواجدوا في قاعة الفندق طوال النهار، ما خلا مرورهم مثل سهم سريع وهم يغادرون الفندق لحاجة لهم، كما أن هؤلاء الفنانين قد غادروا المهرجان قبل اختتامه: نور الشريف، نبيلة عبيد، حتى الفنانة لبلبة عضو لجنة التحكيم غادرت المهرجان قبل الإعلان عن النتائج.
ولعل مفاجأة المهرجان كانت من الدبلوماسي الإيراني الطابطبائي، الذي حضر لتسلم جوائز السينما الإيرانية.
أنا أحترم عقيدة كل إنسان، وهي مسألة شخصية جداً، لكن أن تقع فنانة في حرج أمام جمهور كبير، وأمام الكاميرات التلفزيونية، فهذا أعتقد أنه لا مبرر له، فإدارة المهرجان تعرف جيداً البعد الديني عند الطابطبائي، وكان عليها أن تضع ذلك في حسبانها، فلا تضع الفنانة سوسن بدر في حرج رفض يدها من الطابطبائي أثناء تسليمه الجائزة، كذلك هو الحال بالنسبة إلى الفنانة الفرنسية، التي أعتقد أن عقلها لا يستوعب رفض مصافحتها، ما جعلها ترفض تقديم باقة الورد له.
كما أن السفارة الإيرانية تعرف جو الفن والفنانين، وتعرف البروتوكولات التي تصاحب ذلك، وكان من الأجدى بها أن ترسل فناناً أو فنانة وما أكثرهم، لا لشيء إلا لدرء الإحراج وإيقاع الجمهور في هرج ومرج، معلقاً وساخراً من الموقف على الملأ.
ولعل ما حصل على خشبة المسرح يناقض ما جاء في كلمة الدكتور رياض نعسان آغا في الاختتام: ما أسعدنا أن تكون الرسالة الحضارية من دمشق أرض الحضارات عاصمة الثقافة الأبدية.
وحتى يكون الكلام متسقاً مع حيثيات الاختتام، كان على المنظمين أن يحسبوا أمرهم، ويتركوا لفنانين أن يقدموا الجوائز الإيرانية.
على كل حال: ثمة أشياء مضيئة في الاختتام، تمثلت في تكريم بعض الفنانين: الفنانة المرحومة مها الصالح، والكاتب حسن.م.يوسف ومدير الأنتاج السينمائي يوسف دك الباب، ومدير التصوير ماهر راضي. والفنانة كاترين دونوف، وآخرين.
كما أن الجوائز كانت في معظمها موضوعية، فلم تخضع للبعد السياسي كما هو الحال في المهرجان الماضي، مع ملاحظة أن أفلاماً أخرى كانت تستحق جائزة أفضل ممثل. التي نالها عن الفيلم الطويل الفنان رضا ناجي عن فيلمه أغنية العصفور الدوري الإيراني.
أما جائزة أفضل فيلم عربي: والتي كانت من نصيب عبد اللطيف عبد الحميد عن فيلمه: "أيام الضجر" فهي جائزة استحقها عبد اللطيف بجدارة.
أما جوائز الأفلام فقد توزعت كالتالي:
الأفلام القصيرة: جائزة لجنة التحكيم ذهبت للفيلم خبرني يا طير للمخرج السوري: سوار زركلي.
البرونزية للفيلم الصربي أرجوحة. الفضية للفيلم الجزائري إختي. أما الذهبية فكانت من نصيب الفيلم القبرصي تعليمات
أما جوائز مسابقة الأفلام الطويلة فقد حاز رضا ناجي على جائزة أفضل ممثل، كما حازت الممثلة كيستين توماس على جائزة أفضل ممثلة عن الفيلم أحبك منذ زمن بعيد.
ولعلي أجرؤ هنا على القول إن ثمة سياسيا قد تدخل في هذه الدائرة، على الرغم من جماليات الفيلم.
أما البرونزية للفيلم الطويل فقد ذهبت لفيلم قلوب محترقة المغربي للمخرج أحمد المعنوني. والفضية لفيلم براعم الكرز الألمانسي، أما الذهبية فكانت للفيلم التشيكي: قوارير مستعادة
وجائزة مصطفى العقاد لأفضل إخراج فقد ذهبت للمخرج كارلوس مورينو عن فيلمه: كلب يأكل كلباً من كولومبيا.
وقد نوهت لجنة التحكيم للأفلام الطويلة للفنانة سلافة فواخرجي عن دورها في فيلم حسية، وإلهام شاهين عن دورها في فيلم خلطة فوزية. إضافة لآخرين.
يبقى أخيراً أن نقول قولنا في لجان التحكيم التي لم تسلم من تعليق المختصين والفنانين: فمثلاً المخرج السوري جود الذي نال جائزة عن فيلم قصير له في الدورة الماضية ما هي ثقافته السينمائية التي تراكمت ليكون له حظ تقييم الأفلام السينمائية القصيرة.
وحتى لا يفهم أني ضد مشاركة الشباب في اللجان، ممن يدعون إلى أن تكون فرصهم أكبر سواء في الإنتاج أو في التحكيم، لكن على أن يكون هذا التحكيم مدروساً. ولكي يكون ذلك، وكما هو الحال في معظم لجان التحكيم في العالم: أعتقد أن اللجنة يجب أن يكون فيها: ناقداً سينمائياً محترفاً، وكاتب سيناريو، وكاتب مسرح، وموسيقيا، وفنانا تشكيليا، ومهندس ديكور، ومهندس تصوير، وصحافيا ومخرجا، حتى تتوافر كل الآراء الضرورة لتقييم فيلم ما وهذا ما كان مفقوداً في لجان التحكيم المشكلة.
ومما لا شك فيه أن حضور فرانكو نيرو، وريتشارد هاريسون، وكلوديا كاردينالي كان مهماً في المهرجان: لكني أتساءل: هل لو كان عمر هؤلاء ما زال في الثلاثين أو الأربعين سيحضرون للمشاركة في فعاليات المهرجان؟ أم أن الزمن قد تجاوزهم في بلدانهم، فكان أن لبوا دعوة المهرجان؟
أخيراً أتاح لنا مهرجان دمشق السينمائي رؤية أفلام كان من الصعب أن نراها في الأيام العادية، لأن سوق الفيلم في سوريا، طبعاً أقصد السينما الراقية لا التجارية هي في أسوأ أحوالها، ولئن كانت المتابعة لهذه الأفلام ليست في حجم المتابعات في مهرجانات سابقة، وهذا يؤدي إلى أسئلة جمة على إدارة المهرجان أن تبحث عن إجابات لإحجام الجمهور عن المتابعة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية