• تخاذل "المجتمع الدولي، وسوء إدارة المعارضة جعلا النظام يحتكر "الدفتر الكحلي" محيلا الحصول عليه إلى كابوس أسود قمطريرا.
• رسوم الجواز السوري العادي كفيلة بإصدار 4 جوازات بريطانية، على ما بين دخل السوري والبريطاني من فارق فلكي
• يحصل الفنلندي على جواز مستعجل مقابل مبلغ يقل بـ10 أضعاف عن نظيره السوري
• استراتيجية النظام.. جرّد، شرّد، أمسك كل سوري من يده التي تؤلمه، ومول رصاصك من جيبه
أطلق نظام بشار الأسد صافرة البداية مؤذنا بافتتاح أكبر عملية نهب "مشرعن" لما تبقى من أموال السوريين، حيث وافق ما يسمى "مجلس الشعب" عل رفع رسوم إصدار الجواز السوري إلى أرقام فلكية، وصلت حد 800 دولار لـ"الجواز المستعجل"، في صيغة فاقت أسوأ سيناريوهات "الفرمانات" الاستبدادية وأشدها غرقا في الانفصال عن الواقع.
المثير للانتباه أن "مجلس الشعب" وإعلام النظام بررا خطوة الرفع الجنوني لرسوم الجوازات بالقول إنه خطوة تهدف لتسهيل أمور السوريين وتجنيبهم اللجوء إلى السماسرة ومعقبي المعاملات، وضمانا لحسن سير العمل والسرعة في إنجاز طلباتهم وانطلاقا من حرص الحكومة على تذليل المعوقات التي تعترض المواطنين".
غير أن النظام كشف في نهاية تبريره عن الهدف الحقيقي لرفع رسوم الجوازات والمتمثل في "البحث عن المصادر والمطارح التي تؤمن إيرادات إضافية للخزينة العامة للدولة"، وهي إيرادات مخصصة بلا شك لضمان دوران عجلة الحرب والقتل والتدمير، حيث يقوم السوريون بتمويل النظام لكي يشتري رصاصا يقتلهم به!
قانون تعديل الرسوم القنصلية الذي أقره "مجلس الشعب" نص على أن السوري المقيم خارج البلاد والراغب في الحصول على جواز جديد أو تجديد (تجديد وليس تمديد) جواز قديم انتهت صلاحيته، عليه أن يسدد 800 دولار للنظام إن كان يريد الحصول على جوازه بشكل مستعجل، أما إن كان يريد "الانتظار في الدور" فإن النظام يكتفي منه بـ400 دولار فقط.
ولم توضح وسائل إعلام النظام الوقت الذي يستغرقه الحصول على جواز "مستعجل"، وكم من الوقت أيضا يلزم أن ينتظر الملتزم بـ"نظام الدور" للحصول على جوازه، هذا إذا ما سلمنا جدلا بوجود شيء اسمه "دور"، في ظل الفساد والرشى التي تنخر جسد مؤسسات النظام المعنية بإصدار الجوازات.
*البدل البديل
في مرور سريع على مسوغات ومفاعيل القانون الأخير الخاص برفع رسوم الجوازات، اتضحت لـ"زمان الوصل" عدة نقاط:
• متنصلا من كل مسؤولياته، افترض النظام السوريين الموجودين في الخارج موجودين فيه برغبتهم، أو بصفة عمل أو سياحة وترفيه، متناسيا مع "نوابه" بشكل بالغ الوقاحة أن نحو نصف سكان سوريا باتوا خارج البلاد بصفة لاجئين وفارين من بطش بشار ومليشياته على وجه الخصوص، حيث أوضحت أرقام صدرت مؤخرا أن اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري (دول الجوار السوري وليس كل دول العالم) بلغوا 5 ملايين شخص!
• افترض النظام أن السوريين الذي "يقيمون في الخارج" يحصلون على أموال ومداخيل طائلة تتيح لهم أن يتحملوا دفع تكاليف تعادل 11 ضعف ما يدفعه الألماني الذي يحصل على أقوى وثيقة سفر على مستوى العالم (ستعرض زمان الوصل أدناه رسوم الجوازات في دول مختلفة).. بينما يعيش معظم السوريين بصفة لاجئين ينتظرون انقضاء الشهر للحصول على رواتب مساعدات بالكاد تسد رمقهم، غير قادرين على إيجاد فرص عمل لهم، بمن فيهم أصحاب الشهادات الجامعية والخبرات العملية.
• وجد النظام طريقة جديدة للحصول على إيرادات هائلة تفوق الإيرادات التي فاتته جراء استنكاف كثير من الشباب الموجود خارج سوريا عن دفع البدل النقدي، وفي حين كان هذا البدل مفروضا على الشباب الذين لم يؤدوا "الخدمة العسكرية"، بات "بدل الجوازات" مفروضا على كل سوري في الخارج، ذكرا أم أنثى، شيخا أو حتى طفلا يبلغ من العمر يوما واحدا.
• برغم كل ما ردده النظام ويردده عن فتح أبواب الحصول على جوازات لجميع السوريين بلا استثناء، بمن فيهم المنشقون عن جيشه، فإن الواقع وتجارب بعض السوريين تقول غير ذلك، ومنها ما كشف عنه لـ"زمان الوصل" ناشط حقوقي اضطر لتجديد جوازه مؤخرا، لكن قنصلية النظام رفضت بشكل قاطع تجديده رغم كل محاولاته المستميتة وبطرق شتى، حيث علم لاحقا أنه مدرج على قوائم خاصة لا تسمح لأي قنصلية أن تمنحه جواز سفر بلاده، ويبدو أن قوائم المنع الخاصة هي من ضمن "التسهيل على المواطنين"... ولكن المواطنين لا يفقهون!
*ادفع كياباني وعش كبنغالي
يكشف المؤشر العالمي لتصنيف جوازات السفر، أن الجواز السوري يقبع في ذيل القائمة بين أربع أسوأ جوازات في العالم، متقدما على الجواز العراقي والباكستاني والأفغاني فقط. وبموجب هذا التصنيف حلّ الجواز السوري خلف جوازات بلدان مثل: بنغلاديش، الصومال، إيران، اليمن..
أما أفضل جوازات السفر حول العالم (تقاس قوتها بعدد البلدان التي يمكن دخولها بدون الحاجة لتأشيرة)، فقد جاء الجواز الألماني في مقدمتها، تلته الجوازات الصادرة عن: السويد، الدنمارك، فنلندا، فرنسا.
وفي مقارنة لرسوم إصدار الجوازات ضمن بلدان مختلفة حول العالم، استمدت "زمان الوصل" بياناتها من مواقع رسمية، اتضح أن رسوم إصدار الجواز في بريطانيا تعادل 73 جنيها استرلينيا (نحو 92 دولارا) وللأطفال 46 جنيها استرلينيا.
وبعكس خطوة النظام في رفع الرسوم على السوريين في الخارج، عمدت بريطانيا عام 2014 إلى تخفيض رسوم إصدار الجوازات لمواطنيها الين يعيشون خارج البلاد بنسبة 35%.
أما رسوم إصدار الجواز الأمريكي فتتراوح بين 105 و135 دولار، مقابل 70 دولارا في الهند لجواز تبلغ مدة صلاحيته 10 سنوات، و85 دولارا في باكستان كرسوم لازمة لإصدار جواز مستعجل، أما تكاليف إصدار الجواز بـ"نظام الدور" فلا تتعدى نصف هذا المبلغ، وذلك بالنسبة للجواز الذي مدته 10 سنوات. ويصدر الجواز المستعجل في باكستان خلال مدة 4 أيام، بينما يصدر العادي خلال 10 أيام.
وفي أستراليا يكلف إصدار جواز بمدة 10 سنوات نحو 227 دولارا أستراليا (حوالي 172 أمريكي)، و139 دولار (حوالي 105 دولارات) للجواز الذي مدته 5 سنوات، أما في سويسرا فتبلغ رسوم إصدار جواز للبالغين 155 دولار، وللأطفال 72 دولار، علما أن مدة الجواز 10 سنوات.
ونأتي الآن إلى رسوم إصدار وثائق السفر في أول 5 بلدان على مستوى العالم من حيث قوة جوازاتها، ففي ألمانيا التي يحمل مواطنوها أقوى جواز في العالم على الإطلاق يتكلف إصدار الجواز نحو 70 دولارات لمدة صلاحية 10 سنوات، وإذا ما نحينا جانبا فارق الدخل الرهيب بين السوري والألماني، وفارق سنوات الصلاحية (الجواز السوري 6 سنوات كأقصى حد، والألماني 10 سنوات).. إذا ما نحينا كل ذلك وغيره، يتضح لنا أن الألماني يدفع للحصول على أقوى وثيقة سفر في العالم أنقص بـ6 أضعاف مما يدفعه السوري للحصول على وثيقة هي من أضعف جوازات السفر في عموم الكرة الأرضية.
أما في السويد، البلد الذي يعد من أكثر بلدان العالم رفاهية، فتبلغ إصدار الجواز 38 دولارا، و155 دولارا تقريبا للسويديين خارج البلاد، وهنا أيضا يبدو السوري مجبرا على أن يسدد لخزينة "سوريا الأسد" مبلغا خياليا قياسا إلى دخله وحتى إلى دخل السويدي نفسه، تطبيقا لشعار "نقدّم لكم مزايا بنغلاديش بأسعار اليابان"!
ويدفع الدنماركي الذي يحمل ثالث أقوى جواز في العالم 88 دولارا ليحصل على وثيقة مدتها 10 سنوات، يجوب ها 158 بلدا حول العالم، تفتح لها أبوابها دون سؤال، أما رسوم إصدار الجواز الفنلندي (رابع أقوى جواز في العالم) فتقارب 50 دولارا، مقابل 80 دولارا، لإصدار جواز في الحالات القصوى (المستعجلة)، وهو بالضبط رقم يقل بـ10 أضعاف عن الجواز السوري "المستعجل".
وأخيرا فإن الفرنسي الذي يحمل خامس أقوى جواز، لا يدفع للحصول عليه سوى نحو 90 دولارا، لتسلمه حكومته وثيقة مدته 10 سنوات.
*ختاما:
هكذا إذن يُعطى النظام ضوء أخضر جديدا لإمساك السوريين من "الذراع التي تؤلمهم" وابتزازهم وملاحقتهم إلى آخر قرش في جيوبهم بعدما جردهم من كل ممتلكاتهم وشردهم في أصقاع الأرض،.. ضوء أخضر ساهم في منحه "مجتمع دولي" متخاذل رفض نزع الشرعية عن النظام، وبقى معترفا به ليجبر السوريين على الرجوع إليه، ومعارضة أقل ما يقال بحقها أنها تعاطت مع ملف الجوازات بتسيب وإهمال (هذا إذا استحضرنا حسن النية واستبعدنا الفساد)؛ ما نزع ثقة الناس بشخصيات ومؤسسات المعارضة التي أسند إليها الملف وأتاح الفرصة للنظام ليحتكر "الدفتر الكحلي" جاعلا من الحصول عليه كابوسا أسود قمطريرا.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية