أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التسامح على أنقاض فلسطين ... أ.د. محمد اسحق الريفي

بينما يصعِّد الاحتلال الصهيوني ممارساته العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني في الضفة المحتلة وغزة المحاصرة، يركز الخطاب السياسي الرسمي العربي على مفردات تتناغم مع محاولات التطبيع بين العالم العربي والكيان الصهيوني، وتعبر عن حراك سياسي عربي رسمي مناقض للطموحات العربية ومتآمر على القضية الفلسطينية.

فينشغل النظام الرسمي العربي "المعتدل" في الدعوة إلى حوار الأديان وإحياء عملية السلام بين العرب والمحتلين الصهاينة في الوقت الذي يقوم العدو الصهيوني، بمساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية المأجورة، بتصعيد عدوانه الإجرامي على الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة، ويُحكِم حصاره الظالم على غزة ويجتاح أجزاء منها ليقتل ويخرِّب، ويُمكِّن المستوطنين اليهود والصهاينة من الاستيلاء على منازل المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة، ويعلن عن نيته بإقامة أكبر كنيس في العالم على أنقاض أجزاء من المسجد الأقصى، ويطلق مشروعاً لإقامة "متحف السلام" على أنقاض مقبرة "مأمن الله" الإسلامية في القدس المحتلة، ويتوعد غزة بحرب إجرامية مدمرة!

وبعبارة أخرى، يسهم النظام الرسمي العربي "المعتدل" في علمية استكمال مشروع إقامة الدولة اليهودية على أنقاض فلسطين وشعبها، عبر الصمت على جرائم الاحتلال الصهيوني وتهيئة المؤسسات الدينية والثقافية العربية الإسلامية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والتآمر على الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، وذلك لتمرير المخططات الصهيونية والأمريكية الرامية إلى إقامة شرق أوسط جديد تعيش فيه الدولة اليهودية المقامة على أنقاض فلسطين بأمن وسلام جنباً إلى جنب مع الدول العربية والإسلامية.

فالنظام الرسمي العربي الذي يدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، لا يروق له أن يرى سيدته وهي تجثو على ركبتيها أمام ضربات المقاومة العراقية والأفغانية، ولا يروق له أن يفشل مشروعها لتغيير منطقتنا ودمج الكيان الصهيوني فيها. ولذلك أخذ القادة العرب المعتدلون يجتهدون في إنقاذ ماء وجه الولايات المتحدة الأمريكية الغارقة في المستنقع العراقي، لإنجاز ما فشلت في تحقيقه وهي في أوج قوتها وجبروتها، وذلك بدافع من الحرص على كرامة سيدتهم المهانة والخوف على مستقبل الكيان الصهيوني المتأزم، الذي فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أطماعه أمام إرادة شعبنا الفلسطيني المجاهد الصلبة ومقاومته الباسلة.

وحتى يذر النظام الرسمي العربي الرماد في عيون الجماهير العربية ويتمكن من إخفاء الأهداف الحقيقية لجهوده السرية والعلنية، في المحافل الدولية والدهاليز والأروقة السياسية والدبلوماسية، لجأ هذا النظام إلى استخدام مفردات ذات دلالات مخادعة تهدف إلى تكريس مفاهيم مضللة ومغلوطة في الأذهان والوجدان، وذلك للتغطية على الجهود الرسمية العربية، السرية والعلنية، للتطبيع مع الكيان الصهيوني ودمجه في منطقتنا العربية اندماجاً طبيعياً وكأنه دولة مسالمة صديقة، وتمكينه من إقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين.

فأين يوجد في قاموس المحتل والمعتدي الصهيوني والأنغلوأمريكي مكان لمعان إنسانية حقيقية مثل التسامح والسلام والحوار والتعايش في وقت يتناقض سلوكه وممارساته معها...!! إن المقصود من هذه المفردات والتعبيرات الزائفة والمخادعة استهداف ثقافة الممانعة والمقاومة في مجتمعاتنا ضد الهيمنة الصهيوأمريكية على منطقتنا، من خلال نشر ثقافة "التعايش السلمي" مع من يحتل أرضنا ويعتدي علينا ويستهدف وجود أمتنا. وما يثير الدهشة أن هذه المفردات والمفاهيم تغيب عن الزعماء العرب عند التعامل مع شعوبهم بينما يتحلَّون بالتسامح الديني والسياسي عند التعامل مع الكيان الصهيوني!!

لقد كنا في الماضي القريب نلوم النظام الرسمي العربي على صمته المطبق إزاء الممارسات العدوانية الصهيونية ضد شعبنا الفلسطيني، أما اليوم، فقد أصبح الزعماء العرب الموالون للأمريكان يتناغمون في خطابهم السياسي مع الإجرام الصهيوني والأمريكي ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ويقابلونه بالدعوة إلى إحياء عملية السلام مع الكيان الصهيوني والحوار مع القتلة ومجرمي الحرب!!

ولو كان لدى هؤلاء الزعماء ذرة من كرامة أو حياء أو انتماء حقيقي للأمة العربية والإسلامية، لما تحاوروا مع من لا تكف آلاتهم العسكرية الآثمة عن الولوغ في دماء شعبنا الفلسطيني والأشقاء العراقيين والأفغانيين، ولما تحدثوا عن التسامح مع المحاصرين لغزة هاشم، ولما ركنوا لحظة واحدة إلى الذين وظفوا عصابات فلسطينية مأجورة لتصفية المقاومة وحماية أمن الكيان الصهيوني.

وربما يبرر الزعماء العرب المهرولون نحو التطبيع والسلام مع الكيان الصهيوني ببداية حقبة أمريكية جديدة بعد فوز باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية!! لقد ضاعت لحانا بين بوش وأوباما!!

13/11/2008

(103)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي