يشهد الريف الشمالي لمدينة حمص منذ أكثر من عامين موجة كبيرة من بيع العقارات، بسبب عملية التهجير القسري التي انتهجها النظام منذ بداية الثورة.
فسكان الريف الشمالي لحمص شاهدوا بأم أعينهم كيف خسر جيرانهم من سكان المدينة ممتلكاتهم العقارية بداية في حي بابا عمرو ونهاية بالوعر.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار العقارات بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011، لا وجود لمن يشتري. فمتوسط تكلفة بناء منزل في الريف الحمصي قبل الثورة، كان بحدود 2 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من 40 ألف دولار أميركي، ناهيك عن ثمن قطعة الأرض. أما اليوم، فيُطرح نفس المنزل للبيع بـ 5 مليون ليرة أي ما يعادل 9 آلاف دولار أميركي. ورغم كل هذه الإغراءات من النادر أن يُباع منزل حتى لو كان في المناطق شبه الآمنة وخالي العلام.
ولعل استحالة "الفراغ" أي تنازل البائع للشاري عن العقار الذي تم بيعه، من أبرز المشاكل التي تواجه أصحاب المصالح العقارية. فقد أقدم شبيحة النظام على حرق السجل العقاري في مدينة حمص منذ اندلاع الثورة. أما السجلات الخاصة بريف حمص الشمالي فهي في عهدة المحاكم الشرعية. وقد امتنعت الكوادر المتعاقبة على رئاسة المجالس المحلية في المنطقة عن تفعيل دائرة السجل العقاري.
المهندس يوسف درويش، رئيس المجلس المحلي في الرستن، قال لـ"اقتصاد": "من المحال تثبيت عملية نقل ملكية على السجل الرسمي في هذه الأوضاع. فلا وجود للاستقرار الأمني في المنطقة يضمن حقوق المواطنين".
ومحاولة لتفادي المشكلات أنشأت المجالس المحلية في الريف الشمالي دائرة مؤقتة للسجل العقاري تقوم بتوثيق عملية البيع بشكل بدائي إلى حين إمكانية تفعيل دائرة السجل العقاري بشكل رسمي. وأقدم أصحاب المكاتب العقارية على توثيق عقود البيع بوجود أكثر من 16 شاهداً ومقطع فيديو يوثق عملية البيع يحتفظ به الطرفان ويتم رفعه على برامج تخزين الملفات على الانترنت تفادياً لفقدانه في حال موت أحد الأطراف.
وزيادة العرض مقابل الطلب، أسهم أيضاً في انخفاض الأسعار، فقد أقدم سكان الريف الذين نزحوا إلى مناطق النظام، على بيع عقاراتهم في الريف الشمالي وشراء شقق في مدينة حمص للتخلص من دفع الإيجار. وقام كثيرون من الذين توجهوا إلى الدول الأوروبية ببيع منازلهم بنصف ثمنها لدفع تكلفة الطريق.
أبو محمد من مدينة الغنطو قال لـ"اقتصاد": "لقد وضعت منزلي للبيع منذ أكثر من عامين لاستبداله بشقة في مدينة حمص. لكن إلى اليوم لم يسألني أحد عن ثمنه، فلا وجود لمن يشتري. ولهذا أنا مجبر على دفع إيجار تجاوز الـ 15 ألف ليرة شهرياً".
أما سوق المزارع، فقد أصابه ركود مخيف، بسبب قيام أهالي القرى التي تم تهجيرها من مسيحيين وعلويين بوضع مزارعهم المتواجدة في الريف الشمالي المحرر، رهن البيع، بأسعار منافسة، يصل بعضها إلى نصف القيمة. لكن قيام المحاكم الشرعية بوضع يدها على ممتلكاتهم حال دون بيعها.
أبو جورج، من سكان قرية أم شرشوح المسيحية، قال في حديث له مع "اقتصاد": "أنا أعلم أن سعر المتر المربع من مزرعتي يساوي أكثر من 8 آلاف ليرة سورية. لكن أنا على استعداد لبيعه مقابل 3 آلاف ليرة. ولكن دون جدوى".
ففي ظل التهجير القسري التي تشهده سوريا عامة، وحمص خاصة، لا وجود لمن يغامر بآلاف الدولارات مقابل منزل أو مزرعة.
عن "اقتصاد" - أحد مشاريع "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية