فتح الإعلامي مارسيل غانم في برنامج 'كلام الناس' على قناة 'إل. بي. سي' اللبنانية، وضمن سلسلة حلقات بعنوان 'هنا العراق' مسألة تهجير المسيحيين في مدينة الموصل... واستعرض واقع التهجير المسيحي في المدينة خصوصاً والعراق عموماً، من خلال هدم كنائس وأديرة، وصولا إلى خطف الأسقف بولس فرج رحو رئيس أساقفة الموصل الذي خطف ثم قتل!
البرنامج عرض لحالات مؤلمة، وتوقف عند الوجود المسيحي في النسيج الاجتماعي والثقافي العراقي، وقد طرح المتحاورون، مسألة الخيار العسكري، ومدى ضرورة تشكيل ميليشيات مسيحية لحماية من تبقى في ظل الوجود الأمريكي الذي لم يستوعب - كما قال أحد المتحدثين في البرنامج- إمكانية أن يكون هناك وجود مسيحي في العراق، خارج التقسيم الطائفي والعرقي المعروف: (السني- الشيعي- الكردي).
والغريب أن مسيحيي العراق كانوا في عهد نظام صدام حسين ما يقارب المليون نسمة، وانخفض عددهم - كما جاء في البرنامج - إلى مئة ألف فقط... وبغض النظر عن مدى صحة الرقم الذي يدعو للدهشة... فإن هذا يظهر أن الأمريكي المسيحي لم يكن أحرص على مسيحيي العراق، كما يمكن للمرء أن يتخيل من نظام صدام حسين... لأن جوهر المسألة هو الاحتلال وتنفيذ سياسات تخدم مصلحة أمريكا... وفي الاحتلال يستوي الجميع، ويغدو المسيحي - كما المسلم- هو ابن المنطقة المحتلة من دون أي امتياز آخر!
المتحاورون توقفوا، عند مسألة التعتيم الإعلامي على ما يحدث لمسيحيي العراق، وقالوا إن مثل هذه الأخبار عندما تنشر في الصحافة العراقية أو العربية، تنشر بشكل هامشي، وعتبوا على وسائل الإعلام التلفزيونية العربية لأنها لم تسلط الضوء بما فيه الكفاية على هذه المأساة... كما أشار مقدم البرنامج إلى أن هناك حالات اغتصاب لنساء مسيحيات، ولا أدري لماذا تذكرت على الفور، ما حدث للنساء المسلمات في البوسنة والهرسك من عمليات اغتصاب ثأرية ومنظمة، لم تسلط عليها الأضواء في حينه أيضاً، بل تكشفت فظائعها بعد انتهاء الحرب بسنوات... في عدد من البرامج الخاصة التي بثتها المحطات التلفزيونية عن آثار عملية التطهير البشعة التي حدثت لمسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفو على يد مجرمي الصرب.
لكن التذكير بالصورة المعاكسة، لم يكن هدفه بالنسبة لي، التقليل من معاناة أخواننا من مسيحيي الموصل... على العكس تماماً، فقد تداعت إلى ذهني مشاعر الاستياء والغضب والألم التي كانت تنتابني عندما كنت أرى تلك الصور، وأتابع تلك الحالات... وتخيلت المشاعر نفسها، والإحساس ببشاعة الصورة نفسها، وفداحة خطورتها الإنسانية إزاء النساء المسيحيات، فيما لو ثبتت تلك الحالات، وخرجت تلك الاعترافات إلى النور!
وشخصياً لا أستبعد أن يقوم أي متعصب، مملوء بمشاعر الكراهية والحقد والانغلاق، تجاه أبناء دين آخر بمثل هذه الأفعال المشينة، وهو يعتقد أنه يقوم بمهمة مقدسة... فمن يقتل على المعتقد، ومن يهدم مكان عبادة، يمكن أن يغدو مغتصباً... وهو أمر لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة!
لكن ما استوقفني في حديث أحد رجال الدين المسيحي المشاركين في البرنامج، استشهاده بمساعدة الغرب لمسلمي كوسوفو، وإقامة دولة مستقلة لهم... وتساؤله لماذا لا يجدون حلاً لمسيحيي العراق... بعبارة أخرى، صور المتحدث المسلمين وكأنهم مدللون في النظام العالمي الجديد... بينما المسيحيون (مسيحيو الشرق تحديداً) مضطهدون ومهملون ومعتم على قضيتهم!
لا أعتقد أن الاستشهاد موفقاً، لأن حلم الاستقلال الذي نعم به مسلمو كوسوفو، جاء بعد حرب طاحنة، وعمليات تهجير، ومجازر استمرت سنوات، وظهرت فظائعها وفظائع حرب البوسنة التي فجرت المسألة، لتهز الرأي العام العالمي في الصميم، ويكفي أن نذكر مجزرة سربنتيشا لوحدها، ومعكسرات الاعتقال والاغتصاب التي طالت حتى الرجال، لنتأكد أن الغرب لم يبادر لحل المشكلة سريعاً، ولم يتدخل في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتدخل... بل ترك دماء الأبرياء والضحايا تسيل وتدفق، وترك الفرصة لبعض المتطرفين أو غير المتطرفين من الذين يعتقدون بحرمة دم المسلم وضرورة نصرة أخوانهم في الدين أينما كانوا، كي يهبوا ويلتحقوا بساحات القتال ومعسكرات الجهاد... الأمر الذي أنذر بخطر يمكن أن يستفحل ويكبر مستقبلاً... قبل أن يبادر هذا الغرب الإنساني لإيجاد حل ما للمشكلة، ووقف نزيف الدم والتطهير والتهجير والتعصب!
وما أريد أن أقوله هنا، أننا يجب ألا ننتـــــــــــظر مبادرة الغرب المسيحي لإنقاذ أخواننا من مسيحيي العراق، فهذا الغرب عندما قاد الحـــروب الصليبية باتجاه بلادنا قبل قرون، لم يفرق عندما استباح القدس وارتكــــب فيها المجازر بين مسلم ومسيحي من أبناء المدينة المقدسة... بل جرت المذابح على الجميع، وعوملوا على أنهم أبناء منطقة محتلة!
إنني أضم صوتي إلى من تحدث في هذا البرنامج الهام، وقال إن ما يحدث هو وصمة عار في جبين العروبة... بل سأذهب إلى القول، حتى وإن كان الاقتتال الطائفي السني- الشيعي في العراق معقداً ومؤلماً بالنسبة لكل عربي مسلم منفتح ومتنور، فإن ما يحدث لمسيحيي العراق، هو مؤلم بالدرجة ذاتها... ولا يمكن التقليل من شأنه، لأن المسيحيين هم أبناء هذه المنطقة العربية، وهم جزء من نسيجها، ومكون من مكوناتها الثقافية والاجتماعية... ولا ينبغي أن يكونوا بحاجة إلى ميليشيات خاصة لتحمي وجودهم، وتمنع عنهم عمليات القتل والتهجير، التي يمارسها بعض المتعصبين والظلاميين الذين لا يمثلون الإسلام في شيء... بل يجب أن تكون حمايتهم هي جزء من حماية أي عراقي، ينبغي توفير الأمن له... من دون أي تمييز!
وأنا أرى أن على رجال الدين الإسلامي الذين يطلون في برامج خاصة في الفضائيات، أن يكونوا هم أول من يطلق صفارات الإنذار ضد ما يجري لمسيحيي العراق... فلم يكن الإسلام متسامحاً يوماً مع أبنائه فقط... بل كان متسامحاً مع أبناء الديانات السماوية الأخرى... ومدافعاً عن حقوقهم وحرية معتقدهم، وإلا لفقد التسامح معناه!
وفي تاريخنا العربي الحديث، كان للعديد من رجال الدين دوراً في تأكيد مفهوم هذا التسامح... كما هو الحال بالنسبة للأمير عبد القادر الجزائري، الذي كان زعيماً وطنياً ورجل دين بارزاً... والذي لعب دوراً هاماً في وأد فتنة عام 1860 بين المسلمين والنصارى في دمشق، أثناء وجوده فيها منفياً من السلطات الفرنسية... فقد استطاع الأمير عبد القادر الجزائري، بفضل علاقته مع أعيان دمشق ومع طبقة رجال الدين في آن معاً... أن يحقن الدماء، فأنقذ أكثر من خمسة عشر ألفاً من النصارى بعث بهم إلى منازله التي غصت بهم... كما أخذ مفاتيح قلعة دمشق، ووضع بها كافة نصارى دمشق، وأشرف على تقديم الطعام والشراب لهم على حسابه الخاص لمدة خمسة عشر يوما... وكان لذلك دور كبير في إطفاء نار الفتنة، في ظل عجز القوات شبه العسكرية العثمانية المتمركزة في المدينة عن إيقاف أعمال الشغب أو حماية المعتدى عليهم.
ولهذا أعود إلى القول، إن مسؤولية حماية مسيحيي العراق الجريح، من أي قوة ظلامية تستهدف وجودهم، هي مسؤولية أبناء المنطقة ونخبها وقادتها ونظمها ... لكنني أختلف فقط مع من أطلق نداء في البرنامج التلفزيوني المذكور، إلى جامعة الدول العربية للتدخل وإيجاد حل... لأن من الأفضل لنا أن نحضر النعوش لإخواننا المسيحيين، قبل أن ننتظر أية فعالية أو حل من هذه الجامعة العاجزة والميتة، التي لا تنفع (لا للسيف ولا للكيف ولا لغدرات الزمن)!
من الأستوديو إلى البيت... وبالعكس!
يمل صناع البرامج التلفزيونية، كل الحالات والأفكار بلا استثناء... لأن هذا الفضاء التلفزيوني المفتوح على التشابه والتقليد والاستنساخ بين المحطات والبرامج، والذي يُخلق فيه من البرنامج الناجح أربعون شبيهاً... يدعو للضجر حقاً. ولهذا يعمد صناع البرامج إلى ابتكار فكرة، ثم ابتكار نقيضها بعد فترة كي يتخلصوا من هذا الضجر!
قبل سنوات، سادت برامج الحوارات الفنية، عبر شكل البرنامج التلفزيوني الضخم، بديكوراته الباذخة، ومساحاته الواسعة، وإضاءته المبهرة، وجمهوره الذي يملأ عين الحسود... وتكررت هذه الصيغة في كل المحطات حتى صار مطلوباً الخروج من الأستوديو، رغم أنه المكان الأمثل والأفضل لتقديم صورة تلفزيونية مريحة... وحوار فني بشروط تقنية مثالية.. ولهذا اخترعوا لنا في الآونة الأخيرة، برامج يستضيف فيها المذيعون ضيوفهم في بيوت أو شقق تحمل الصيغة الحياتية، وتبتعد عن شكل الأستوديو لتقترب من شكل الدار!
فظهر برنامج 'موعد في الخيران' على قناة 'دبي' الذي تستضيف مقدمته ضيوفها، وتقدم لهم الشاي والقهوة وكأنها في البيت تماماً، وتسألهم عن نوع الحلويات التي يفضلونها، أو التي تناسب نظام الحمية التي يتبعونها وكأنها في بيتها تماماً... وظهر النجم الكوميدي أشرف عبد الباقي، في برنامج 'دارك' على قناة 'أبو ظبي' ليستضيف زملاءه من النجوم في شقته الفاخرة... وليتنقل بهم في زواياها المختلفة وكأنه في بيته أيضاً... أما النجم الكوميدي الكويتي طارق العلي، فيقدم على قناة 'الرأي' الكويتية، برنامج 'موعد على العشاء' في شقة أو ما شابه... ويستضيفهم على العشاء حقيقة لا مجازاً، ويتابع حواره معهم وهو يتلذذ وإياهم بأفخر أنواع الطعام... وكأننا في جلسة خاصة لا في حوار فني!
ولو سألنا أنفسنا ماذا يضيف كل هذا لقيمة الحوار الفني أو التلفزيوني عموماً، ولعمق الأسئلة، وشمولية المحاور المطروحة... لكان الجواب بالتأكيد: لا شيء... سوى إشباع الرغبة في التغيير لدواعي الفذلكة والملل من الأشكال المطروحة!
ناقد فني من سورية
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية