لا صوت يصدح لمؤذن المخيم في هذا الفجر الحزين ولا أنفاسه كذلك، فالستيني الذي عانى ما عانى من ويلات ما جرى ويجري في بلاده قد وصل اللحظة المريرة، لحظة دفع الضريبة، ضريبة ستأخذ حصتها من جسده وصحته، وتمضي بعدما تراكمت عليه منذ ما يزيد عن 6 سنوات، ضريبة اختارت أن ترمي به مريضاً غائباً عن الوعي "جلطة دماغية" على أحد أسرة مستشفى "السلام" في بلدة "القبيات" اللبنانية التابعة لقضاء عكار.
"محمد أحمد كرزون" (59 عاماً) اللاجئ السوري من قرية "البويضة الشرقية" التابعة لريف "القصير" الشمالي في مخيمات "طرابلس" لبنان والذي تعود أن يوقظ سكان المخيم وهو يرفع صوته الرخيم عند آذان الصبح مرتلاً "والصبح إذا تنفس"، تنفس الصبح من دونه هذا النهار، تاركاً إياه على سرير بخمس نجوم من حيث تكلفة الرعاية والعلاج، وخمس "خيبات" من حيث غياب الرحمة والإنسانية والشفقة بمن أجبرتهم الظروف والأوجاع أن يتمددوا عليه طلباً للحياة.
الستيني الفقير الذي أدخلوه غرفة العناية المشددة ووضعوه على "المنفسة" الاصطناعية لم يستيقظ بعد من غيبوبته التي لازمته بعيد الجلطة الدماغية التي تعرض لها يوم 13 من الشهر الجاري ليطلع على فاتورة الحساب التي يتوجب عليه دفعها لقاء ما يأخذه من شهيق داخل تلك المنفسة الاصطناعية.
يقول "جوزيف سكر" وهو الطبيب اللبناني المشرف على حالة "كرزون" إن تكلفة الإقامة داخل غرفة العناية المشددة 500 ألف ليرة لبنانية أي ما يقارب 400 دولار لليلة الواحدة وقد تزيد بحسب نوعية الأدوية المعطاة، إضافة لأجرة صورة الطبقي المحوري 250 دولار والتي عليه أن يقوم بها كل يومين تقريباً.
الطبيب "سكر" يطالب الأهل بتسديد دفعة من فاتورة الحساب التي بدأت تتراكم عليهم وتزداد لأن عليه إيقاظه بعدما تحسنت حالته وبدأ يميل للتعافي من آثار التمزق الشرياني الذي نجم عن الجلطة.
يقول ولده الأكبر معروف "لا نمتلك القدرة على تسديد هذه الفاتورة الباهظة ولا حتى القدرة على تسديد جزء منها في ظل هذه الظروف القاسية التي فرضت علينا كلاجئين لاعمل لدينا ولا مردود.
"كرزون" ما زال يغمض عينيه لليوم التاسع على التوالي في غرفة العناية المشددة داخل في مستشفى "السلام" في "القبيات"، يغمضهما ربما على وطن يحلم بأنه داخل أحد حاراته الآن، أو ربما عادت به الذكرى لأيام كان يفتح مضافة بيته العربي لكل عابر سبيل، يغمضهما عن غربة قاسية مريرة طوقته بهمومها وأمراضها وحولته لشيخ عجوز عليه أن يسدد أول ضرائبها "جلطة دماغية"، وليس آخرها "فاتورة" باهظة مكلفة لقاء شهيق يأخذه داخل منفسة اصطناعية.
عبد الحفيظ الحولاني -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية