أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"خنساء العاصي".. هكذا أوصاني ولدي الشهيد

أم عدنان - زمان الوصل

العيد هنا والذكرى هناك، وما بين العيد وذكراه ثمة مسافة لا تذكر في مفكرة "خنساء العاصي" "ناهد الزهوري" أم عدنان، وقواميسها كأم سورية لاجئة هنا في مخيمات لبنان.

"مسافة" في حسابات عشقها، وحنينها لا تتجاوز السنتميتر الواحد كما تقول، لكنها في حسابات الجغرافية واللجوء تشكل آلافا مؤلفة من الكيلومترات الظالمة المؤلمة، "مسافة" عرفت كيف تتآمر عليها فيمن تآمر، لتسلبها حقها كأم وزوجة وأخت من أن تعيد ترتيب الحجارة وسقاية شتلات الريحان على قبور خبأت في أحشائها ثلاثة من "قبارات" حياتها ابنها وزوجها وأخيها.

قبور ثلاثة، يقال عن ساكنيها (شهداء مجزرة العاصي الأولى) بتاريخ 24-9-2011 عدنان ومحمود ومالك، الابن والزوج والأخ.

وعلى أم عدنان يومها أن تبدأ فاتحة الرثاء، وهي تعتلي منصة أحد مساجد مدينتها "القصير" مسجد "بيت الكنج" لتلقي كلمات الوداع الأخيرة أمام موكب "التوابيت" المحمول على الأكتاف الذي تشابه عليها يومها، تشابه كما تشابهت عليها تماماً "نكهة الفقدان" وهي تحاول ترتيب منزلة كل شهيد من هؤلاء الثلاثة على ما تبقى من "رفوف" قلبها المتفحم حزناً وحسرة على وداعهم.

عدنان بكرها ابن (16 عاماً)، قال لها يومها وهو يغادر مع أبيه محمود الزهوري (45 عاماً) وخاله مالك الزهوري (27عاماً): "لن تكن ثورتنا إلا منتصرة، ولن نسمح لهم بأن يخمدوها كما أخمدوا ثورة حماة، ثورتنا ستنتصر".

هذه كانت آخر كلمات ولدها عدنان، بل "وصيته" التي راحت الأم المكلومة ترددها على مسامع المشيعين وهم يحملون (قباراتها) الثلاثة لمثواهم الأخير.

قذيفة الدبابة التي حصدت نصف أحبابها في بساتين العاصي في ذلك النهار الحزين جعلتها تفر بمن تبقى من فلذات أكبادها (عدنان الثاني) الذي كانت حاملاً به وأسمته على اسم أخيه الراحل ودعاء (7 سنوات) ومحمد (14سنة) وعبد الكريم (13سنة) لبلاد لا تأكل أبناءها وتحول أجسادهم لأشلاء أو هكذا ظنت.

محطة فرارها الأخيرة من الموت كانت خيمة في مخيمات "عرسال" اللبنانية، خيمة عرفت كيف تحولها لعش صغير تضم فيه أطفالها وتعدهم عند كل مطلع صباح.

منذ شهرين أفاقت لتجد أن فراخ قلبها الذين تضمهم في خيمتها نقصوا واحداً، إنه ولدها الأكبر محمد (20 عاماً)، لتعلم فيما بعد أنه في أحد السجون اللبنانية، إذ أمسكوا به وهو متوجه إلى عمله ليطعم ما تبقى من عائلته.

(آذار) أم عدنان لم يعد شهراً من شهور الربيع كما تعارف الناس عليه، واعتادوا أن يستقبلوه، فبعدما علقت ابنها وزوجها وأخيها "جلنارات" على جبين الربيع السوري وثورته اليتيمة، ها هي اليوم تهيم على وجهها حزناً على ولدها السجين "محمد" بعدما عجزت عن تأمين ما تدفعه كإتاوة للقضاء في لبنان الذي اعتقل ولدها بتهمة الحياة.

السجين هن، والشهيد هناك، وقلب الأم أم عدنان المنفطر لن يفتح شرفاته على عيد الأم هذا الصباح، قلب يرتشف حزنه على مهل وهي تضم "عدنان الصغير" الذي يهدهد لها.
أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها…
أجمل الأمهات التي انتظرتهُ، وعادْ…
عادَ مستشهداً.
فبكتْ دمعتين ووردة 
ولم تنزوِ في ثياب الحداد.

عبد الحفيظ الحولاني - زمان الوصل
(100)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي