لو قلنا عنها أنها سذاجة لما جانبنا الصواب . ولو وصفناها بأنها سطحية لكنا على حق . ولو سميناها خداعاً للنفس ، ولهثاً وراء السراب لأصبنا كبد الحقيقة . فتلك هي حالنا مع انتخابات الرئاسة الأمريكية ،التي نعلق عليها في كل دورة من دوراتها آمالاً كبيرة، فتكون خيبة الأمل أكبر. أفلم تكن أصوات العرب والمسلمين هي المرجحة لفوز بوش الابن في دورته الرئاسية الأولى؟ وها هي دورته الرئاسية الثانية تنتهي على ركام هائل من الدمار الذي خلفه بوش في ديار العرب والمسلمين ، من شواطىء فلسطين حتى شواهق أفغانستان مروراً بلبنان والعراق التي اجتاحها في دورته الرئاسية الأولى مثلما فعل في أفغانستان. في أبشع عدوان يشن على الأمة، ويهلك الحرث والنسل ، ويحرق الأخضر واليابس. ومع ذلك فإننا لا نتعلم من تجربتنا ونعيد الكرة مع كل انتخابات رئاسية في أمريكا .معلقين آمالاً كباراً على الرئيس الجديد الذي سيحتل البيت الأبيض جمهورياً كان أم ديموقراطياً . يحدث هذا رغم أننا نكثر الحديث عن مؤسسية القرار الغربي عموماً والأمريكي على وجه الخصوص. وأن تغير الأشخاص هناك لايغير من الاستراتيجيات والسياسات والثوابت .متناسين أن الدعم الغربي عموماً، والأمريكي على وجه الخصوص لإسرائيل من الثوابت الاستراتيجية والسياسية .بل أنه أكثر من ذلك فهو من المكونات الثقافية للعقل الغربي وخاصة الأمريكي ، الذي صارت تحكمه عقلية المحافظين الجدد والكنيسية المسيحية الصهيونية التي ترى في الوجود الإسرائيلي فوق أرضنا حقاً إلهياً وعقيدة سماوية.
نذكر بهذه الحقيقة بين يدي الاهتمام الشديد، الذي أبدته أوساطنا السياسية بالانتخابات الأمريكية ، والذي انعكس متابعة شديدة من جمهور الأمة لهذه الانتخابات، وكأنها شأن محلي من شؤوننا الداخلية .
والطامة الكبرى أننا علقنا أمالاً كباراً على المرشح الديمقراطي باراك أوباما. وامتلأت نفوسنا بالأمل عند فوزه ، وكأن هذا الفوز انتصار للحق العربي . لا لشيء إلا لبشرته الداكنة. وكأن المواقف السياسية تحدد على ضوء لون البشرة. ولو كان الأمر كذلك لما كانت كونداليزا رايس بكل هذه العدوانية ضد أمتنا .ولما تبنى كولن باول التقارير التي بررت احتلال العراق، بعد أن خطط هذا الجنرال الأمريكي قبل ذلك لحرب الخليج الثانية يوم كان وزيراً للدفاع، وقبلها رئيساً لهيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية . فحقيقة الأمر أن السياسات الغربية عموماً، والأمريكية على وجه الخصوص ، اتجاهنا هي إفراز ثقافة متجذرة وإرث تاريخي في العداء لنا .
وهو إرث لن يتخلص منه الرئيس المنتخب أوباما .بل إننا نعتقد أنه سيكون أشد تطرفاً في التعامل مع قضايانا للتخلص من عقدة الأصل الإفريقي من جهة ، ولينفي عنه تهمة الجذر الإسلامي باعتباره متحدراً من أب مسلم . وهي التهمة التي طالما تم التلويح بها في وجهه طيلة حملته الانتخابية فظل يسعى لنفي علاقته بالإسلام من جهة أخرى. ونحن عندما نقول ذلك فإننا لا نرجم بالغيب فهناك عشرات الشواهد التي تتوالى، والتي تؤكد جميعها انحياز أوباما لإسرائيل. ضد الحق العربي والإسلامي . وليس أول هذه الشواهد ولن يكون آخرها تعيينه ضابط موساد إسرائيلي منحدرا من صلب إرهابي إسرائيلي كان أحد عناصر الخلية التي خططت ونفذت عملية اغتيال المبعوث الدولي برنادوت رئيساً لموظفي البيت الأبيض .وهذا التعيين مقروناً بتصريحاته أثناء الحملة الانتخابية التي ناصر فيها إسرائيل. ومقرونة بتصريحاته عن إيران في أول مؤتمر صحفي له بعد فوزه بالانتخابات، وطلبه منها التوقف عن دعم ما سماه بالتنظيمات الإرهابية . التي هي وفق التصنيف الأمريكي فصائل المقاومة الفلسطينية بالإضافة إلى حزب الله.
هذا التعيين وهذه التصريحات تدل على طبيعة السياسة التي يتبناها القادم الجديد للبيت الأبيض . وهي بالتأكيد سياسة لا تصب في مصلحتنا بل تصرخ في وجوهنا كي نستفيق من أوهامنا ، التي دفعتنا لوضع كامل أوراق قضايانا في سلة أمريكية يتصرف بها كيفما يشاء فوضعها في خدمة إسرائيل ولحمايتها
واهمون أولئك الذين يراهنون على تغير السياسات الأمريكية نحونا بتغير الأشخاص في الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ذلك أنه ليس هناك ما يجبر هذه الإدارات على تغيير سياساتها في المنطقة التي يزداد أهلها تمزقاً وتشتتاً يوماً بعد يوم . ومن ثم فلا أحد مضطر لمراعاة مصالحهم ماداموا هم غير مبالين بهذه المصالح . كما أن لاأحد يحارب نيابة عن أحد. ولا أحد يخوض معارك أحد .
خاصة في هذه المرحلة من تاريخ البشرية التي صارت فيها المصالح المادية هي سيدة الموقف ومعيار العلاقات الدولية .وصارت الدول لاتعترف إلا بلغة القوة .لهذا نقول أن العامل الوحيد القادر على تغيير السياسات الأمريكية ليس هو الذي يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في أي جزء من هذا العالم. باستثناء منطقتنا التي تحتاج إلى تغيير ذاتها ليغير العالم طريقة تعامله معها. لذلك فالمطلوب إعادة صياغة علاقات أبناء المنطقة على أسس جديدة من التعاون ووحدة الموقف وصولاً إلى وحدة مصالح أبنائها والدفاع عنها بأيديهم .عندها فقط سيضطر العالم إلى الرضوخ لإرادتهم والتخلي عن مساندة عدوهم المزروع بينهم أعني إسرائيل.
خلاصة القول واهمون أولئك الذين يراهنون على أوباما. وسيخسرون رهانهم عليه كما خسروا رهاناتهم على كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه. وآخرهم بوش الابن الذي وعد بأنه لن تنتهي ولايته قبل التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي. وقبل قيام الدولة الفلسطينية . وها هي وزيرة خارجيته تعلن أنه من المستحيل التوصل إلى الاتفاق قبل نهاية ولاية رئيسها .
ولنتذكر جميعاً أنه في كل مناظرات أوباما مع منافسه أثناء الحملة الانتخابية لم يطرح عليه سؤالاً واحداً حول الصراع العربي الإسرائيلي ، الذي تقول كل الشواهد أنه في ذيل قائمة أولويات الرئيس الجديد . الذي باشر التراجع عن وعوده الانتخابية في أول خطاباته فور إعلان فوزه عندما قال: أن القضايا الكبرى التي يعطيها الأولوية تحتاج إلى وقت طويل قد يستغرق سنوات دورة رئاسية كاملة . فكم ستحتاج من الوقت القضايا القابعة في ذيل اهتماماته مثل قضيتنا .فهل نراهن بعد ذلك على سيد البيت الأبيض الجديد؟!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية