في أحد ميادين مدينة "دريسدن الألمانية" وأمام كنيسة "Frauenkirche" الشهيرة تنتصب مجسمات لثلاث حافلات بشكل عمودي تلفت المارة والعابرين الذين لم يألفوا هذا المشهد في مدينتهم من قبل.
وغير بعيد عن المكان وقف الشاب "مناف حلبوني" (32 عاماً) ليشرح لبعض المارة فكرة مجسماته التي أراد منها إثارة الانتباه إلى الدمار الذي تخلفه الحرب ومأساة أبناء بلده، حيث استقى مجسماته هذه من صورة التقطتها وكالة الأنباء الفرنسية في 15/آذار-مارس/2015 لحافلات وضعها سكان أحد أحياء حلب بشكل عمودي لحمايتهم من رصاص قناصة النظام السوري.
ويأتي هذا العمل أيضاً قبل أسبوع واحد فقط من الذكرى السنوية الـ72 لبدء غارات الحلفاء الجوية عام 1945 التي أنزلت بمدينة "دريسدن" الويلات والحمم، لتخلف وراءها 25 ألفاً من القتلى، معظمهم مدنيون.
ولد "مناف حلبوني" ونشأ في دمشق ودرس في كلية الفنون الجميلة بين عامي 2005 و2008، لينتقل بعدها إلى مدينة "دريسدن" بألمانيا ويكمل دراسته في أكاديمية الفنون، وبعد دراسة امتدت لخمس سنوات حصل على ماجستير، وطوال فترة دراسته تلك عمل حلبوني على عدة مشاريع نحتية صغيرة تعكس ما يجري من تحولات في العالم وتحرّض المتلقي على أن يكون إيجابياً في عطائه وتأثيره.
يروي "حلبوني" لـ"زمان الوصل" كيف رأى صورة الحافلات في أحد أحياء حلب المحاصرة فانبهر من رغبة الحياة والتشبث بالبقاء لدى الحلبيين، حيث يمارسون حياتهم اليومية ويلهو أطفالهم بألعابهم وكأن شيئاً لم يكن رغم مشاهد الدمار والموت المحيطة بهم.
وأشار مصمم العمل إلى أنه لجأ في البداية إلى قص حيز الباصات في الصورة وحاول وضعها في صور مدن لا يوجد فيها حرب مثل "دريسدن" و"برلين" و"موسكو" و"نيويورك" و"لندن"، وكان يفكر على الدوام بتحويل هذه الصور إلى شيء واقعي فاستقدم –كما يقول- ثلاث حافلات من مدينة "بايرويث" الألمانية وقام بنصبها وسط ساحة مدينة "دريسدن" التي يقطن فيها بواسطة رافعات.
ولفت "حلبوني" إلى أن هذه المدينة دُمرت في الحرب العالمية الثانية من قبل الأمريكيين والإنكليز بواسطة الطائرات خلال يومين، وبدت آنذاك أشبه بمدينة حلب اليوم.
وروى محدثنا أنه كان يتأمل هذه المدينة وما حل بها وكيف عادت إلى الحياة حينما كان يزور منزل جده وجدته الألمانيين أثناء العطل الدراسية، وكان يرى الحائط المتبقي من كنيسة "Frauenkirche" الذي ظل شاهداً على قساوة الحرب حتى بعد إعادة تأهيل المدينة القديمة عام 2006.
وأردف الفنان السوري أنه كان يشعر بأن أهل "دريسدن" نسوا كيف كان شكل المدينة قديماً، ونظراً لمتابعته لما يجري في سوريا وحلب خاصة أراد الآن –كما يقول- أن يمزج بين كنيسة "دريسدن" وحافلات حلب باعتبارهما رمزين للحياة والحرب، وليذكّر الشعب الألماني بماضيه، لأنهم "يتحدثون عن الحرب ولكنهم لم يروها ولم يعيشوا تفاصيلها كما يعيشها السوريون اليوم".
اختار "حلبوني" لافتتاح نصبه يوم 13 شباط فبراير بمناسبة مرور 72 عاما على شن الحلفاء غارات على مدينة "دريسدن"، ولأن اليمينيين الألمان يختارون هذا اليوم عادة للدعاية لأنفسهم والتظاهر تعرّض –كما يؤكد- لهجوم شخصي احتجاجاً على وضعه النصب متهمين إياه -كما يقول- بتشويه شكل المدينة حيناً، وبأنه يضع هذه المجسمات لتمثل الجهاديين.
ووصف آخرون النصب بأنه استفزازي ووسيلة لمنع مسيرات الاحتجاج التي نظمتها حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام والتي استخدمت ساحة "نيوماركت"، المواجهة للكنيسة، لتكون نقطة التقاء وتجمهر لهم.
وكشف "حلبوني" أن اليمينيين حاولوا التشويش على يوم الافتتاح ومنعوه من إلقاء كلمة يشرح فكرة عمله للحاضرين، وعبّر البعض منهم عن انزعاجهم من عمله وبأنه شخص غير مرحب به رغم أنه يعيش في ألمانيا منذ العام 2008 ويحمل جنسيتها ووالدته ألمانية أباً عن جد ولكن ذلك لم يثنه عن إكمال رسالته ونقل معاناة بلده وشعبه إلى العالم.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية