أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تفجير قصر العدل.. واحد من ثلاثة

القول بأن تفجير قصر العدل بدمشق مدبر من النظام لا ينافي الحقيقة لكنه ليس كل الحكاية، فهي أطول وأكثر تشعبا وتعقيدا.

بداية، لا شك أن الثوار الحقيقيين في دمشق والغوطة يسعون جاهدين للنيل من النظام بأي طريقة، ولكنهم بالتأكيد لن يعمدوا لاستهداف المدنيين في أي موقع إذا تمكنوا من اختراق حصون النظام، وسينتهزون الفرصة من أجل ضرب قرات أمنه وجيشه عندما يصلون إلى قلب المدينة فهي الأكثر جدوى.

هذا ينفي تنفيذ الثوار لتفجير قصر العدل، وبما أن هيئة تحرير الشام التي اعتادت المسارعة إلى تبني أي عملية نفذتها (أو لم تفعل) في معاقل النظام، بادرت لنفي مسؤوليتها عن التفجير فهذا أيضا يبعد عنها الشبهة، لأنها أصلا قد لا تكون قادرة على تنفيذ عمل كبير كهذا أو أنها غير معنية.

وعندما نستبعد تنفيذ فصائل المعارضة للتفجير يبقى أن نتساءل من الفاعل إذا؟ الإجابة على السؤال تقتضي إجابات على أسئلة ملحقة بالموضوع مثل، من المستفيد من التفجير؟ لماذا تزامن مع انعقاد لقاء الأستانة بغياب المعارضة، وتزامن كذلك من الذكرى السادسة للثورة السورية؟ ومن يستطيع الوصول إلى قصر العدل وتنفيذ التفجير بهذه السهولة؟

واقع مدينة دمشق يشير إلى سيطرة الميليشيات الإيرانية والعراقية على الشطر الجنوبي منها ممثلا بحي "السيدة زينب" والمناطق المحيطة بمقامها و"نجها" و"بييلا"، ولها وجود قوي في الفنادق المتواضعة بحي المرجة المجاور لقصر العدل.

ويسيطر الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ببقية أحياء العاصمة ويحكمان قبضتهما على مداخلها، وتشتركان مع الفروع الأمنية في أكثر من مائتي حاجز في الشوارع والأحياء وفي محيط المقرات العسكرية والأمنية والمؤسسات الرسمية.

أما التواجد الروسي وهو الأكثر فعالية وتحكما بالوضع في دمشق فيتمثل في المقرات العسكرية والأمنية والفنادق الراقية، وعليه فإن الأطراف الثلاثة تستطيع بسهولة الوصول إلى قصر العدل بشكل مباشر أو عبر وسطاء وتحقيق ما تريد فيه.

فور وقوع التفجير في قصر العدل الذي أودى مع تفجير الربوة الذي وقع بعد ساعة بالعشرات، بادر النظام لاتهام "الإرهابيين" بارتكاب التفجير بحق المدنيين ووظف وسائل إعلامه وإعلام شركائه من حزب الله وإيران وروسيا للترويج لهذا الاتهام الذي تنفي الوقائع صحته.

يحاول النظام أن يقول للعالم "هؤلاء هم الثوار، يقتلون المدنيين، ويستهدفون منشآت الدولة والممتلكات الخاصة" يريد أن يغطي على الذكرى السادسة للثورة بنعتها بالإرهاب وتقديم الأدلة على هذا الوصف بتفجيرات هو المستفيد الأول منها سياسيا، وهو الذي سبق له أن فجّر في أماكن متعددة لتحقيق أهداف مماثلة ولو ضحّى بالمدنيين حتى من حاضنته الشعبية.

واستغلت روسيا عبر مسؤوليها ووسائل إعلامها رفض الفصائل المعارضة الاشتراك بلقاء الأستانة للتلميح بأنها بغيابها هيأت الأرضية المناسبة للإرهابيين بتنفيذ التفجير، وسعت لترويج سعيها مع النظام السوري الذي شارك بالأستانة لتطبيق الهدنة، ومقارنة ذلك بأفعال الممتنعين من المعارضة عن الحضور عبر صور الدماء التي نشرتها لتفجيري قصر العدل والربوة. 

يبدو أن مصلحة الإيرانيين تتركز على استمرار العنف وسقوط الضحايا لتجد مبررا دائما لبقاء ميليشياتها في سوريا دمشق على وجه الدقة، وهي لا شك لا تمتلك الرادع الأخلاقي الذي يمنعها عن القيام بتفجيرات يسقط فيها ضحايا من مدنيين كلما هدأ الوضع قليلا أو ارتفع الصوت الدولي المطالب بسحب ميليشياتها من سورية.

بناء على ما تقدم يمكن الجزم بأن طرفا من الثلاثة المذكورين ارتكب الجريمة التي تخدمه سياسيا وميدانيا، واشتركوا جميعا في محاولة قطف ثمار نتائجها إعلاميا.

وليس بعيدا عن السياق الإشارة إلى التنافس غير المعلن بين روسيا وإيران على توسيع رقعة النفوذ السياسي والجغرافي في سوريا، ومن غير المستبعد أنهما تبادلتا رسائل متفجرة فيما بينهما يدركانها أكثر من الآخرين بمن فيهم النظام الذي يتراجع نفوذه بشكل متسارع لمصلحتهما، وبات شاهد زور على بعض التفجيرات بل صار "متل الأطرش بالزفة".

عبد السلام حاج بكري - زمان الوصل
(130)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي