يحسب للثورة السورية أنها حطمت الكثير من الأرقام القياسية، إن جاز التعبير، بأرقام قاسية جدا قياسا إلى ثورات الربيع العربي، لكن أكثر الأرقام ألما تلك التي اعتلت أجساد المعتقلين بعد تصفيتهم من قبل مخابرات الأسد ومرتزقته في المعتقلات وفي بعض المؤسسات المفترض أنها مدنية كالمشافي والمدارس وغيرها من الدوائر الحكومية التي تحولت إلى مقار إعدام عشوائي لأبرياء، ربما كان أكبر ذنوبهم أنهم خرجوا بمظاهرة ضد واحد من أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في العالم المعاصر.
لن نزيد في حديث تداولناه عن 55 ألف صورة سربها "قيصر" لأكثر من 11 ألف ضحية قضت تحت التعذيب خرجت من فرع واحد هو (215) التابع للمخابرات العسكرية، لكن نتمنى أن تلقى 28 ألف صورة أخرى وعد "قيصر الجديد" المعلن عن وصوله هولندا مؤخرا أن يوصلها لمحكمة العدل الدولية في "لاهاي"، اهتماما يقرن القول بالفعل من قبل الدول الفاعلية والهيئات والمنظمات الحقوقية في العالم، وهي التي مازالت تراقب أسوأ محرقة بحق السوريين منذ ست سنوات وتكتفي بالوصف والتقارير والإحصاء، في عودة إلى لعبة الأرقام التي ملها السوريون.
أرقام حفظها السوريون ومهتمون بالثورة السورية عن ظهر قلب حول مئات آلاف القتلى وملايين الجرحى والمعوقين والمعطوبين، وملايين اللاجئين والنازحين، ومازال العد مستمرا، ليصل الدور إلى عشرات آلاف المهجرين قسريا من بلدات سورية شكّلت أيقونات ثورية، بعد إجبارهم على توقيع اتفاقات برعاية روسية حينا وإيرانية أحيانا أخرى تحت ضغط الحصار، في مسعى لاستكمال خطط النظام وحلفائه في التغيير الديمغرافي.
ورغم تعدد أنواع الأسلحة التي استخدمها نظام الأسد، إلا أن سلاح الحصار والتجويع للمدنيين، يعد علامة فارقة تمكن من خلالها النظام بمساعدة حلفائه وتجاهل المجتمع الدولي والمنظمات الأممية من إخضاع مناطق كثيرة لسيطرته بعد طرد معظم أهليها.
فقد شهد العام الماضي موسم الهجرة إلى الشمال السوري مجددا برعاية الباص الأخضر، ليصل "إدلب" آلاف المهجرين الجدد، من بلدات جنوبها، فضلا عن أهالي أحياء حلب الشرقية الذين قدم قسم كبير منهم إليها، لترتسم في الأفق عدة سيناريوهات مستقبلية للمحافظة الخضراء بعدما صارت مجمعا لكل من يرفض "المصالحة" مع نظام الأسد، في ظل تواجد فاعل لفصائل مازالت مصنفة على لائحة "الإرهاب" العالمي، كانت ومازالت ذريعة يرتكب من خلالها الطيران الأسدي والروسي مجازر متكررة كان اليوم الأربعاء آخرها حتى الآن، عندما قتل الروس 11 مدنيا، بالتزامن مع "رعايتهم" لوقف نار يجتمعون من أجله في عاصمة كازاخستان "آستانة".
لم تكن مشاهد الباصات الخضراء وهي تقل عشرات المقتلعين من بيوتهم، لتمر أمام أعين السوريين، لولا تشجيع المجتمع الدولي لنظام الأسد من خلال تجاهل مدعي صداقة الشعب السوري، غير أن العامل الأبرز تجلى بالمشاركة الروسية بعد الإيرانية في جرائم الأسد.
وفي عودة للعبة الأرقام نذكر بجريمة قوات الأسد باستخدام السلاح الكيماوي عندما قتل أكثر من ألف مدني في الغوطتين، وأباد عوائل بأكملها، لتنتهي الجريمة باتفاق روسي أمريكي لتسليم أداة الجريمة (السلاح الكيماوي)، وإفلات المجرم دون عقاب، لا بل بعد كل ذلك مازالوا يشككون بمن ارتكب تلك المجزرة الشنيعة، ويجتمعون ويناقشون ذلك في اجتماعاتهم!!
إضافة إلى المجزرة الكيماوية الأشهر، فقد ارتكبت قوات الأسد والميليشيات الطائفية الحليفة مئات المجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين السوريين على امتداد جغرافيا الثورة، مجازر استخدمت فيها كل الأسلحة بما فيها السلاح الأبيض الذي عمّق طعنة أهل سوريا بخنجر الطائفية.

كما أزهقت أرواح عشرات آلاف الأبرياء بسلاح الجو والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية المحرمة دوليا، فضلا عن السلاح الكيماوي الذي استخدمته قوات الأسد رغم انضمامها إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وذلك حسب تقارير حقوقية صادرة عن منظمات دولية رسمية وعلى رأسها الأمم المتحدة.
وفي الحديث عن أسلحة النظام أيضا لا بد من التذكير بسلاح الاعتقال التعسفي لمئات الآلاف وتحويل الكثير منهم إلى مجهول المصير، فضلا عن التقارير الحقوقية التي تؤكد إقدام النظام على تصفية آلاف المعتقلين تعذيبا وجوعا، وسط توقعات بألا يكون تقرير منظمة العفو الدولية حول تصفية النظام لأكثر من 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا فقط بعد بدء الثورة السورية، وكم من معتقل مثل "صيدنايا" وأسوأ يغص بآلاف المعتقلين السياسيين، فضلا عن المغيبين قسرا.
لم يتوقف النظام عند استخدام تلك الأسلحة رغم كل آثارها المدمرة جسديا ومعنويا، والتي لم يسبقه إليها أحد، على الأقل في أنظمة دول الربيع العربي، بل استلّ خنجرا لطالما استخدمه الأسد الأب ضد السوريين، ألا وهو "الإرهاب"، فساهم بشكل رئيسي في اختراع تنظيم "الدولة الإسلامية" للقضاء على الثورة، وحرف الأنظار عن جرائمه بجرائم التنظيم المشغول عليها سياسيا وإعلاميا وتقنيا، حتى صارت "محاربة الإرهاب" أولوية على مجرد مناقشة الإبقاء على نظام قتل وشرد واعتقل أكثر من نصف الشعب السوري.

قد يكون الأسد نجح مؤقتا بمحاولات إعادة تدوير نظامه بدعم روسي إيراني وبتخبط أمريكي عربي خليجي، لكن الكثير من المؤشرات تدل على أن مرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "الدولة" سيشهد تحولات قد تطول نظام الأسد بعد انتهاء الدور المرسوم له باتفاق بين اللاعبين الكبار، بما يحقق جزءا من أهداف ثورة كشفت الكثير من الزيف في العلاقات الدولية والقيم الإنسانية، فضلا عن فبركات التقية الطائفية المغلفة بـ"المقاومة والممانعة".
والأهم أنها عرّت نظاما بات عارا على الأنظمة الديكتاورية نفسها، من خلال ادعائه السيادة، رغم بيعه الكثير من الأرض وما تحت الأرض، في بلاد تعج سماؤها بكل أنواع الطائرات الحربية متعددة الجنسيات.
ربما اعتور الثورة الكثير من الهنات بعد انحرافها بفعل المتآمرين عليها من أعدائها وقسم من أبنائها، لكنها ستنجح في إنهاء حكم الوراثي لعائلة وصمت سوريا بكل هذه الأرقام القياسية القاسية، خاصة خلال سني الثورة الست.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية