تمرّ الذكرى السادسة لانطلاقة الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، دون أدنى مظاهر الاحتفال بها بمحافظة الحسكة حتى ولو برفع علمها "الأخضر" (علم الاستقلال)، في ظل تراجع المساحات التي تسيطر عليها قوات الثوار لصالح القوات والميليشيات المدعومة من روسيا غرب البلاد، وإضافة إلى سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على بعضها الآخر، وكذلك الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة المسيطرة شمال البلاد وشرقها.
تمر ذكرى الثورة للسنة الثالثة على محافظات الجزيرة السورية، التي يمنع فيها رفع أعلام الثورة السورية بسبب سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على معظم محافظة دير الزور وأجزاء واسعة من الرقة والحسكة منذ عام 2014، وهو عام التمدد بالنسبة للتنظيم.
والعائق الآخر أمام وجود مظاهر الثورة، هو سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" وحلفائه على الأجزاء الشمالية من هذه المحافظات بدعم من قوات التحالف الدولي، التي تحاول إحكام الحصار على الرقة من خلال فصلها عن دير الزور بغض النظر عن استفادة قوات نظام الأسد من هذه العمليات الجوية والبرية المنفذة في المنطقة من عدمه.
*"غويران" آخر بقعة ترفع علم الثورة في "الجزيرة"
روى "أبو حذيفة" أحد مقاتلي حي "غويران" لـ"زمان الوصل" إن قوات النظام بكل مسمياتها إلى جانب ميليشيات حزب "الاتحاد الديمقراطي" بكل مسمياتها في عام 2014، حاصروا حي "غويران" الذي كان مركزاً للتظاهر منذ بداية الثورة في مدينة الحسكة، وكان الحي يضم ما يقارب 150-200 مقاتل من ثوار الحي ليس بينهم "غريب" في بداية المعركة الأخيرة.
وقال إن الحصار والتهديدات إضافة للتمهيد بالقصف الجوي والمدفعي والرشاشات الثقيلة كان يهدف لإخلاء الحي من حوالي 50 ألف مدني يسكنونه من سكان أصليين ونازحين من دير الزور والرقة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 18 مدنيا وإصابة آخرين خلال المعركة مع الحزب الكردي.
وتابع المقاتل قوله: إن عناصر حزب "الاتحاد الديمقراطي" حاولوا الدخول إلى الحي من جهة جسر "البيروتي" فاستهدف الثوار سيارة عسكرية تحمل 9 عناصر لميليشيا "YPG" فقتلوا 7 وأسروا أحدهم فيما هرب آخر، مضيفاً أنه بعد أيام تدخل وجهاء بهدف الوساطة من وجهاء محليين لتسليم الأسير وجثث عناصر الحزب مقابل الإفراج عن العشرات من أبناء الحي اعتقلوا على حواجز الحزب في مدينة الحسكة، لتعود الحياة إلى طبيعتها.
وأشار المصدر إلى أن الهدوء عم الحي لمدة 3-4 أيام قبل أن يدخله 10 عناصر من تنظيم "الدولة" يتزعمهم "أبو زبير" التونسي، الذي قتل عنصرا من كتيبة حفظ النظام غربي "غويران" واشترط القائد العسكري لقوات النظام –اللواء محمد خضور- تسلم "أبو زبير" ومجموعته لعدم قصف الحي، فرفض مقاتلو الحي طلبه لتبدأ المواجهات مع النظام وميليشياته على الجهة الغربية، فيما يحاصر حزب "الاتحاد" الحي من الشرق والشمال الشرقي.
وفشلت قوات النظام بالسيطرة على الحي رغم قصفه جوا وبراً في معركة سقط خلالها 25 مقاتلاً من الثوار، فيما تناوبت مروحيات النظام ومقاتلاته الحربية في قصف الحي المحاصر يوم 2 أيلول/ سبتمبر/ 2014 فأرسل النظام الوسيط "رشاد عليوي" للتفاوض مع الكتائب من أجل الخروج من الحي عبر طريق "أبيض" الموازي لجبل عبد العزيز ثم إلى مدينة "الشدادي" لتسقط آخر بقعة أرض في الجزيرة يرفرف عليها علم الثورة السورية.

*تمدد "الاتحاد الديمقراطي"
سلطة "الأمر الواقع" المتمثلة بإدارة "الاتحاد الديمقراطي" عملت على قمع الحريات وملاحقة السياسيين وإغلاق مكاتب الأحزاب الكردية المعارضة وملاحقة الشبان للتجنيد بهد القتال ضم الميليشيات التابعة له، ما أعاق الحركة الطبيعية وتدهور الأوضاع المعيشية في المدن التي كانت سباقة في الخروج بالمظاهرات المناهضة لنظام الأسد كـ"الدرباسية والقامشلي والمالكية والقحطانية ومعبدة" وغيرها من المدن، التي انسحب منها النظام لصالح الحزب في عام 2012، وفي اليوم الذي يجب أن يحتفل به بانطلاق ثورة الكرامة تغلق هذه السلطة مكاتب الأحزاب الكردية المعارضة لها أمس.
النصيب الأكبر من القمع كان من نصيب مدينة "عامودا" التي أسقطت تمثال حافظ الأسد يوم 8 /11/ 2011، وانتظرها يوم عصيب على يد مسلحي حزب "الاتحاد الديمقراطي"، حين اقتحموها يوم 27 حزيران/يونيو/2013 وقتلوا 6 مدنيين وجرحوا العشرات.
وفي ريف الحسكة الجنوبي كانت مدينة "الشدادي" التي حررها الثوار من قوات النظام في شهر شباط/فبراير/2013، محط أنظار تنظيم "الدولة الإسلامية" وبالفعل في بداية شباط/ فبراير/ 2014 أخرج جميع الفصائل منها، قبل أن تنتقل المواجهات معه إلى بلدة "مركدة" جنوبها، حيث جرت أكثر فصول المواجهات بين الثوار والتنظيم دموية، قبل أن يدخل بعدها بادية "الميادين" ضمن محافظة دير الزور المحررة منذ 22-11-2012.
وانتهى العامان تحت حكم التنظيم في شباط/ فبراير/2016 بسيطرة تحالف "قوات سوريا الديمقراطية"، التي شكلت في تشرين الأول/أكتوبر/2015، بدعم من الولايات المتحدة، وتعتبر "وحدات حماية الشعب" والمرأة الكردية عمودها الفقري.
كما خسر التنظيم قبلها نواحي "تل حميس"، "تل براك"، "جبل عبد العزيز"، "المبروكة"، و"الهول" خلال عام 2015 لصالح أذرع حزب "الاتحاد الديمقراطي"، بعد أن انتزعها من فصائل الثورة السورية.
سبق وأن أنزال مسلحو حزب "الاتحاد الديمقراطي" علم الثورة عن بوابة "رأس العين" الحدودية في 17-تموز/يوليو/2013 بعد انسحاب عناصر لوائي "تحرير سوريا" و"الله أكبر" من المعبر باتجاه تركيا بينما المدنيون الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش الحر وعناصر "لواء الظاهر" بمحاذاة الحدود الى بلدة "تل حلف"، بعد أشهر من المواجهات بدأت في 19 تشرين الثاني /نوفمبر/2012 -11 بين "PYD" ﻭ"الجيش الحر" على خلفية اغتيال قائد "جبهة النصرة" في كمين للحزب الكردي قرب حاجز "الصناعة" شرقي "رأس العين".
*دير الزور ميدان الحرية
أمّا في مدينة دير الزور كبرى مدن الشرق السوري تتألف من ثلاثة مناطق هي: دير الزور والميادين والبوكمال خرجت أولى المظاهرات في منتصف آذار/مارس لعام 2011، وانطلقت من الملعب البلدي مُطالبةً بإسقاط النظام، ثم أطلق المتظاهرون على دوار "المدلجي" اسم "ساحة الحرية" بعد أن أصبحت مركزاً رئيساً للتظاهرات الحاشدة التي تخرج في المدينة بشكل منظم، قبل أن يصل المتظاهرون بعد اصطدامهم برجال الأمن والشبيحة إلى وسط المدينة ويحطمون تمثال "باسل الأسد" في ميدان التحرير.
وفي جمعة "أحفاد خالد بن الوليد" لنصرة مدينة حمص في تموز/يوليو من العام نفسه انطلقت أكبر تظاهرة في مدينة دير الزور، بلغ عدد المتظاهرين مئات الآلاف، ولم ينقض هذا الشهر حتى بدأت أولى الحملات الأمنية والعسكرية على دير الزور استشهد نتيجتها العشرات، وقد أدّت هذه الحملة إلى انشقاق في صفوف قوات النظام لتظهر كتائب الجيش الحر في المدينة، التي حررت معظم المدينة بعد عام واحد من أولى الحملات فدمرها النظام بالقصف الجوي والمدفعي والصاروخي الذي حصد أرواح المئات من المدنيين.

واعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية "محمود إبراهيم" في تصريح لـ"زمان الوصل" أن مظاهرة إسقاط التمثال نيسان/أبريل 2011، الأهم في دير الزور، مشيراً إلى أن مكانة الشهيد "خليل البورداني" الذي قضى على يد قوات النظام كونه يمثل الوجه الوطني المثقف للثورة.
واعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية "محمود إبراهيم" في تصريح لـ"زمان الوصل" أن أبرز حدث في دير الزور كان سيطرة تنظيم "الدولة" على مركز المدينة بعد انكسار "مجلس شورى المجاهدين" في "مركدة" وبادية "الميادين"، قبل أن يتمدد التنظيم من الحسكة باتجاه المحافظة، وتبدأ الضربات الجوية الدولية على المحافظة في أيلول/سبتمبر/2014 لينتهي وجود الثوار فيها.
*بركان الرقة
لم تمنع زيارة بشار الأسد لمدينة الرقة في تشرين الثاني/نوفمبر/2011 في أولى سنوات الثورة إعلان "بركان الرقة" وأن تكون أوّل مركز محافظةٍ يخرج عن سيطرة نظام الأسد في الرابع من آذار/مارس/2013، ومنذ اليوم الأوّل حطم المتظاهرون تمثال حافظ الأسد واستمرت المظاهرات حتى فرض تنظيم "الدولة" سيطرته على مدينة الرقة في شهر آب/اغسطس من العام نفسه.
وأكمل التنظيم سيطرته على المحافظة مطلع العام التالي (2014)، إلى أن بدأ التراجع لصالح حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يقود "قوات سوريا الديمقراطية" حالياً لحصار مدينة الرقة، بعد سيطرته على أرياف الرقة الشمالية والغربية خلال العامين الماضيين بدعم من قوات التحالف الدولي.
تبادل السيطرة والمعارك الدائرة في الجزيرة السورية أسهمت بتهجير الكثير من سكانها إلى دول الجوار والمخيمات على حافة الوطن، سواء بشكل متعمد عقب هدم منازلهم ومطاردتهم بتهم عدة أو بشكل غير متعمد نتيجة الظروف التي فرضتها الحرب المستعرة في جميع أنحاء البلاد.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية