يحتفل السوريون هذا العام بالذكرى السنوية السادسة لانطلاق ثورة الحرية والكرامة بغياب مدينة حلب التي كانت صاحبة البصمة الأبرز في الاحتفالات التي شهدتها أحياؤها الشرقية على طول السنوات الماضية، حيث كانت المدينة التي أُجبر أبناؤها على الخروج منها بعد آلاف الغارات الجوية وحصارين خانقين، تتميز بالكرنفالات الاحتفالية التي اعتاد ناشطوها على تنظيمها على مدار ثلاثة أيام ضمن برنامج مُعد مسبقاً يتضمن مظاهرات وعروضاً مسرحية تحكي واقع الثورة ونشاطات خاصة بأطفال المدينة.
الكثير من الحلبيين الذين أخرجوا من مدينتهم خلال عملية التهجير القسري التي جرت بحقهم إلى محافظة إدلب لم يطيقوا العيش في هذه المحافظة التي أصبحت بحسب الكثيرين منهم مسرحاً لمشاريع لا تمت للثورة السورية وأهدافها بصلة، فلجؤوا لعبور الحدود نحو تركيا، بعضهم قرر الاستقرار فيها والبحث عن فرصة عمل أو استكمال الدراسة فيها، والقليل منهم اعتبرها محطة عبور نحو ريف حلب الشمالي ومناطق "درع الفرات" التي تقع بشكل أو بآخر تحت وصاية الأتراك.
*احتفال على مواقع التواصل
يستذكر "حذيفة دهمان" الذي كان ناشطاً في المجال الطبي بمدينة حلب الاحتفالية الأخيرة التي أُقيمت بذكرى الثورة العام الماضي في حلب بصوت ملؤه الحزن، يروي لـ"زمان الوصل" تفاصيل عاشها مع رفاقه الذين ترك بعضهم تحت تراب حلب المغتصبة حسب تعبيره، والعمل لثلاثة أيام متواصلة دون كلل للتحضير للفعاليات التي اتفقوا على تجهيزها بتلك المناسبة.
"كان التعب لا يوصف، لكن له لذة مميزة، لأننا كنا نعمل لنثبت للعالم بأن الثورة ما زالت مستمرة، وهناك من يحمل رايتها ويتحمل القصف والحرمان في سبيل استمرارها والوفاء للقسم الذي رددناها مراراً في الساحات"، هكذا عبر حذيفة عن تلك الأيام، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً ممن ساهموا في إنجاح الفعاليات التي أُقيمت في حلب خلال الاحتفالية الأخيرة، بقيت أجسادهم تحت تراب مدينتهم التي أحبوها وحاربوا من أجل البقاء فيها، ونجحوا، ولو بأجساد دون أرواح.
ويتابع حذيفة: "للأسف، في هذا العام لن تستطع فعل أي شيء، فحين كنا في حلب كنا نستطيع التفاهم مع الفصائل المسيطرة على المدينة، جميعهم من أبناء الثورة وناشطيها الذين حملوا السلاح للدفاع عن قضية آمنوا بها، أما الآن حيث أقيم في ريف حلب الغربي، لا يمكن التفاهم مع القوى المسيطرة، فمعظم تلك القوى لا تؤمن بالثورة، ولا تعترف بها أصلاً .. معتبرة أن ما يحدث الآن هو حرب على الإسلام والمسلمين ضد الروافض والنصيريين حسب تعبيرهم".
ويستطرد دهمان: "الكثير من المقاتلين هنا يحملون فكراً يشبه إلى حد كبير فكر الدواعش، يمكن أن يقبلوا رؤية الشيطان ذاته، ولا يقبلون برؤية أحد ما يرفع علم الثورة، لهذه الأسباب وأسباب كثيرة أخرى سنحيي ذكرى الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي، حالنا كحال المغتربين، وربما أسوأ".
*أتمنى أن لا يأتي عيد الثورة
"بتصدق أنا معتبر حالي مدني بريف إدلب وعم خاف من بكرة ومن فترة بقول ياريت يتأخر كمان، عم خاف واجه هاليوم وانا هون"، بهذه الكلمات رد الناشط "شهم حلب" على سؤالنا له حول شعوره كأحد نشطاء الثورة السورية ومنظمي الاحتفالات السابقة التي جرت في حلب خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويرى "شهم" الذي كان يدير فريقا تطوعيا مهمته تنظيم الفعاليات الترفيهية لأطفال مدينة حلب أن الوضع في إدلب وريفها يختلف بشكل كبير جداً عن الوضع الثوري في مدينة حلب.
ويشرح :"هنا لا يوجد شيء يُعبر عن الثورة على الإطلاق، حتى أن رفع علم الثورة يعرضك للمضايقات وربما الاعتداء من قبل عناصر الفصائل وربما من قبل الأهالي حتى".
ويؤكد شهم أنه يسعى الآن للسفر من سوريا والانتقال للعيش في تركيا مع أسرته التي انتقلت للعيش هناك منذ وقت طويل، معبراً عن أسفه لهذا القرار الذي اتخذه مؤخراً، مبرراً ذلك بتحول الثورة في إدلب وريفها إلى أجندات ومشاريع للفصائل العسكرية التي يبتلع القوي منها الضعيف.
*ذكريات الثورة في حلب
بدوره اعتبر "سالم الأطرش"، وهو مهندس احتفاليات "عيد الثورة" التي جرت في حلب طوال السنوات الخمس الماضية، أن "عيد الثورة" أضيف إلى عيدي الأضحى والفطر لديه، فعيد الثورة أو عيد الولادة الحقيقية كما بات أغلب الثوار يعتبرونه، يستمر من 14 لغاية 18 من آذار مارس، ويسبقه سلسلة اجتماعات بين الثوار لاختيار وتقرير النشاطات التي سيتم القيام بها، للتأكيد على استمرارية الثورة والالتزام بهدفها الرئيسي المتمثل بإسقاط النظام والتمسك بمبادئها.
وشبّه الأطرش المعروف بلقب "أبو مضر الحلبي" إلى ثوار حلب بخلية النحل، حيث يقوم الثوار بتزيين الشوارع بأعلام الثورة وأداء رسومات وكتابات ثورية على الجدران والتخطيط لأماكن الاحتفاليات وتجهيزها بما يلزم للاحتفالية الكبرى، لافتاً إلى أن النشاط العام الغالب كان المظاهرات، التي تنتقل كل يوم من حي إلى آخر، يحضرها أعداد ضخمة للمشاركة، يتحدون النظام وآلته الحربية الفتاكة، ولا تخيفهم طائراته.
ويذكر أبو مضر أن النشاط الثاني خلال الاحتفاليات السابقة في حلب تجسد بالفعاليات المسائية التي كان يتم خلالها تجهيز منصات على شكل مسارح يقام عليها عروض رياضية للهيئة العامة للرياضة والشباب، بالإضافة للأغاني الثورية، والسكتشات المسرحية الهادفة، وقد يتخللها أحيانا عروض صامتة (stop emotions).
إلى جانب النشاطات الثورية والفنية والرياضية، بحسب الأطرش كان حملات النظافة، أو العمل الطوعي، وفيه يقوم الثوار بتنظيف بعض الشوارع الرئيسية وإزالة الركام والأوساخ منها، ويشارك فيها حرائر حلب وأطفال المدارس، في إشارة واضحة إلى أن مسؤولية البناء يتولاها الجميع وأن الثورة للكل ويحميها الكل.
وكان لأطفال حلب نصيب أيضاً من الفعاليات، وذلك من خلال الحفلات التي يتم إشراكهم بها كالمسابقات الترفيهية التي تنشط عقولهم ونشاطات الرسم على القماش والكورال الغنائي والألعاب التعليمية.
ويعتبر سالم أن هذا العام ستكون ذكراه أليمة وموجعة على الحلبيين، مع تناقص رقعة المحرر، وخسارة مدينة حلب، شعور مرير بالضياع والغربة ومحاولة للملمة الذات مرة أخرى.
ويختم أبو مضر: "تركنا ضحكاتنا كل صباح في مقابر الشهداء ونحن نغني معهم أغاني الثورة، تركنا أجمل أيام عمرنا بين نصرة مظلوم ومسحة رأس يتيم أو مسكين ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تركنا نبض قلوبنا في أرجاء وطن أردنا لخرائبه أن تنبت زهرا، ولدماء شهدائه أن تفوح عبقا".
حلب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية