أنشأ بشار الأسد المليشيات.. شجعها وسمنّها، لكنه بات اليوم غير قادر على التحكم بها، أو الخلاص من "أمراء الحرب" الذين ينازعونه السلطة، بكل ما فيها من معاني الترهيب والتسلط؛ بحسب تقرير نشرته مجلة "دير شبيجل" الألمانية، وتولت "زمان الوصل" ترجمته.
حاول جيش النظام وحتى مخابراته العسكرية إنهاء نفوذ أمراء الحرب، ولكن هذه المحاولات كانت تنتهي دوما بفشل ذريع، ففي ربيع 2016 مثلا اعتقلت مخابرات النظام زعيم ميليشيا مسيحية قوية بعد تبادل لإطلاق النار مع مليشياه، لكن أتباعه احتجوا بعنف ما جعل النظام يرضخ ويطلق سراحه.
"نعم، لدينا مشاكل".. يقول "حسين ديوب"، أمين فرع حزب البعث في حماة، مقرا بأن الميليشيات أقامت نقاط تفتيش لابتزاز الناس، فضلا عن إقراره بجرائم التهريب والخطف، لكنه يدعي أنه لا يعرف من يقف وراء ذلك.
أما "وزير الدولة للمصالحة" علي حيدر، فيؤكد أن النظام على علم بمشكلة المليشيات، ولكنه يفتقد إلى القوة التي تمكنه من وضع حد لها.
وفي اللاذقية، حيث "صقور الصحراء" أكبر المليشيات التي يقودها، محمد جابر، شقيق أيمن جابر الملقب بـ"ملك البراميل"، يصحب زعيم المليشيا مراسل "دير شبيجل" من مقره العسكري إلى "شقته الواقعة في الطابق الرابع من مبنى سكني فخم، يطل على ميناء اللاذقية"، تكشف "كسوتها" و"فرشها" عن مظاهر أبهة وبذخ، بينما لا تخطئ العين شهادات شكر "مبروظة" قدمتها له روسيا.
ويصف تقرير المجلة الألمانية "محمد جابر" بأنه " رجل سمين متعجرف، أمضى ساعة في الكلام عن النجاحات العسكرية التي حققتها ميليشياه، وكان ينادي كل حين على من يخدمونه لإحضار الخرائط والشاي".
ويعترف "جابر" بأنه عناصره انخرطوا في عمليات النهب، ولكن ذلك نادر حسب قوله، فليس هناك مكان يخلو من وجود أناس سيئين، معقبا: "نحن مجموعة كبيرة، بعضها جيد، وبعضها سيء، لكنهم يقاتلون من أجل بلادنا، وهذا هو أهم شيء".
ويضيف: "في حماة هناك ميليشيات هم مجرد خاطفين، لصوص وقتلة"، ملمحا إلى "قوات النمر" التي تنافسه، ويقودها "العميد سهيل حسن".
ففي معركة تدمر ربيع 2016، تبادلت "قوات النمر" و"صقور الصحراء" إطلاق النار، وقد أوفد النظام مبعوثين رفيعي المستوى لفض الاشتباك، ومنذ ذلك الحين، يتم الحرص على فرز "النمور" و"الصقور" إلى جبهات قتال مختلفة.
"محمد جابر" وشقيقه بدءا في تكوين ثروتهما من العمل في التهريب، ففي تسعينات القرن الفائت مارسا تهريب النفط من العراق نحو سوريا، قبل أن يشرع "أيمن" باستثمار بالملايين في صناعة الصلب، وعندما اندلعت الثورة ربيع 2011 وتعرض النظام لعقوبات دولية نتيجة قمعه ووحشيته، طلب من الشقيقين استخدام علاقاتهما في مجال التهريب لضمان تزويده بالنفط.
ولحماية قوافل النفط المهرب عبر الصحراء، جند "جابر" مئات المرتزقة، ليصبحوا فيما بعد مليشيا "رسمية".
"محمد جابر" يدعي أنه لا يهتم لأي سلطة أو مال، إذ لديه ما يكفي منهما حسب قوله، زكل ما يريده فقط "مساعدة الرئيس العظيم بشار الأسد" وعندما تنتهي الحرب، فإن مليشياه ستسلم سلاحها، منوها في نفس الوقت: "يمكننا السيطرة على أكثر من 60 في المئة من البلاد، إذا أذنوا لنا".
من جانبهم، يبدو الروس ميالين لاستعطاف زعماء المليشيات وتكريمهم بالميداليات والشهادات، ومحمد جابر واحد منهم.
وتختم "دير شبيجل" تقريرها بالقول إن الأسد ما يزال شخصا بغيضا ومرعبا، لكنه يبدو في المقابل أنه فقد السلطة والسيطرة على البلاد لصالح المليشيات وزعمائها.
إيثار عبد الحق - ترجمة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية