حتى أعضاء الوفد التفاوضي يختلفون فيما بينهم على تقييم نتائج الجولة الرابعة من مشاورات جنيف. وبدا تفاوت المواقف واضحا بين من يعتبر أن هذه الجولة كسابقاتها، ومن يرى أن ثمة اختراقا "فذا" في هذه المفاوضات.
الأكثر تفاؤلا في هذه الجولة كان رئيس الوفد "نصر الحريري" الذي لم يخفِ ارتياحه في نهاية المشاورات وظهر "منتشيا" في مؤتمره الصحفي الأخير، باعتبار أن المرحلة الانتقالية دخلت وللمرة الأولى على أجندة المفاوضات.
في الحالة السورية لا يمكن القفز على الأمل، لا مكان للتلميع والتجميل والتسويف، عرف الشعب السوري كل "التمثيليات" الدولية والإقليمية. هدف واحد يعرفه السوريون .. إنهاء حكم الأسد، دون ذلك لا تحدثهم عن أي شيء آخر.
كان انحسار الطموح واضحا في "جنيف4"، لا العسكر كانوا عسكرا ولا القوى الثورية باتت ثورية، إذ تحولوا إلى سياسيين ومفاوضين بين كبير ومستشار ورئيس.
اختلف كل شيء من كانون الأول ديسمبر العام الماضي حتى الآن، ضاعت حلب وسقط وادي بردى والنظام يحرق إدلب والوعر.. وهناك من يتحدث عن انتقال سياسي مع نظام يزداد وحشية ويتضاعف أمله بالبقاء، فيما يدير العالم ظهره للشعب السوري.
بعد انتهاء الجولة الرابعة، استطلعت "زمان الوصل" بشكل مقتضب آراء شخصيات من المعارضة، وطلبت منهم وصف جولة جنيف بجملة واحدة، كانت الإجابات حقيقية غير سياسية.
المعارض "فايز سارة" وصف بشكل مختصر ومكثف الجولة الرابعة في جنيف بجملة واحدة "نجح الروس وسقط البقية"، كانت جملة تعبر عن ألم لما آل إليه وضع المعارضة.
أما عضو وفد المفاوضات "فؤاد عليكو"، فلم يتجاوز الكلمتين، ورغم كرديته إلا أنه أجاد الوصف ببلاغة العربية لـ"زمان الوصل" قائلا "مكانك راوح" ليزيد من جرعة الواقعية الموجعة على الثورة السورية.
ولقد كان لافتا ما قاله المتحدث باسم الجبهة الجنوبية "عصام الريس"، في معرض وصفه نهاية الجولة الرابعة، مكتفيا بالقول لـ"زمان الوصل" ليس لدي تسمية مناسبة الآن، وقد بدت الحيرة في إجابته تتوارى وراء الكلمات.
الوحيد الذي أفرط في التفاؤل مدير "الهيئة السورية للإعلام" "إبراهيم الجباوي"، الذي رأى في أداء الوفد التفاوضي الاتزان والثبات على الخط الثوري.
الحقيقة أن كل سوري معارض، يدرك في داخله حجم الخيبة من هذه المشاورات، لكنهم يتعاملون مع المسألة على مبدأ "في فمي ماء"، على حد وصف معارض بارز فضل عدم ذكر اسمه.
لكن بالفعل نحن أمام سؤال يجعلنا أمام مرآة الثورة السورية من هم الرابحون والخاسرون من "جنيف4"؟
في "جنيف3" قبل أقل من عام، استجدت الدول الهيئة العليا للمفاوضات للذهاب إلى جنيف، ذهبت المعارضة وهي تصدح برحيل الأسد في أروقة جنيف وإلى جانبها فصائل تمتلك أرضا وقوات على مستوى الندية مع النظام والميليشيات الإيرانية. حينها لوح رئيس الهيئة العليا رياض حجاب بعدم حضور المشاورات، وتلقى على إثر هذه المناورة وعدا بإدخال مساعدات للمدن المحاصرة والضغط على النظام لوقف المجازر – صحيح أن الوعود لم يتحقق معظمها- إلا أن المعارضة كان لها وزن دولي، ويحسب حسابها أمريكيا وأوروبيا. بينما كانت الفصائل في حلب والشمال الجبهة الجنوبية أكثر صلابة وقوة.
في "جنيف4" كان المشهد أكثر سوداوية بالنسبة للثورة، حضرت منصتا القاهرة وموسكو بشكل متكافئ مع الهيئة العليا. رأينا العسكر بحالة انكسار بعد خسارة حلب وبردى، وسمعنا حديثا من نوع جديد "سلات" سياسية أشبه بالسلات الغذائية في المخيمات، وفلسفة سياسية جديدة (3+1)، غاب الحديث نهائيا عن رحيل الأسد.. رأينا معارضة تغازل روسيا وتصور الدب الروسي على أنه وسيط يضغط على النظام، بينما الغارات لم تتوقف على إدلب.. رحلات لا تتوقف إلى "الأستانة" وفي كل مرة يعود الوفد العسكري "مضحوك عليه" بوعود يستدرجونه إلى قاعات فخمة بينما يزحف النظام على الأرض.
في الميزان السياسي، لا تبدو المعارضة في حال جيد، الأوروبيون يهربون من الكابوس السوري، فيما الأتراك منهمكون بالقضاء على "وحدات حماية الشعب" وتحجيم دورهم، واختفت كليا مجموعة أصدقاء سوريا، أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فهو مشغول بقضايا التنصت في البيت الأبيض.. ليستفرد الروس بالملف السوري.
يبيعون الوهم للشعب السوري، بإدخال بند المرحلة الانتقالية على أجندة المشاورات. المسألة ليست بالنقاش وإنما من يلزم هذا النظام بتنفيذ المرحلة الانتقالية، متى وكيف تكون هذه المرحلة الانتقالية.. وإذا كان النظام في ذروة قوة الفصائل يرفض هيئة الحكم الانتقالي، فلماذا يقبل بها وقادة الفصائل أدمنوا الاجتماعات والسفر.
الكل بات يهرب من الجحيم السوري، وعلى المعارضة أن تتعامل على هذا الأساس.. لا أحد يحترم التفاوض بل هناك من يحترم القوة.. استجدوا المعارضة حين كانت الفصائل تجول وتتهاوى مقار النظام.. أما اليوم في لحظات الضعف لن يقدم أحدا هدية هيئة الحكم الانتقالي أو رحيل الأسد على طبق من ذهب، بدأت الثورة على قاعدة إسقاط النظام، وحين يزول هذا الهدف تكون الثورة في فصلها الأخير.
عبدالله الغضوي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية