في معقل النظام، بل في قلب معقله الطائفي القرداحة ينتشر البؤس كما تنتشر حمى الولاء لـ"الرئيس" والطاعة العمياء له، حتى ولو كان ذلك على حساب "عصة" فقر فوق عصات القبور، التي ابتعلت ساحات القرى والبلدات الساحلية.
هنا! حيث لم يكن من حل وسط بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة، فإما غنى فاحش تمثله قصور الأسد وشاليش ومخلوف ودوبا وكنعان ومن شابههم من كبار المتنفذين، وإما بؤس مدقع تعكسه بيوت أشبه بمدافن الأحياء، كحال بيوت الغالبية ممن حبسوا طويلا في قفص العوز، ولما فتح لهم النظام الباب جعل اتجاهه "إجباريا" نحو جيشه ومخابراته.
"ش.د" قتيل من قتلى النظام، الذين فاخرت كبرى صفحات القرداحة بـ"ترميم" منزله قبل أيام، بعد أن تكرم "المحسنون" وجادوا ببعض ما لديهم، ولكن غنى كل أغنياء القرداحة وما حولها، وهو غنى فلكي، لم يستطع أن يحيل المدفن إلى منزل بمعنى المنزل في حده الأدنى، وكل ما فعله أنه "رفع تصنيف" ذلك المأوى البائس، كما قد ترفع وزارة سياحة النظام تصنيف فندق شعبي لمجرد أنه أضاف شيئا بسيطا إلى أثاثه.
فـ"منزل الشهيد ش.د" في قرية رأس القلورية (من قرى القرداحة)، وكما تشهد الصور بعد "ترميمه"، لا يمكن إلا أن يبقى لطخة على جبين النظام وكل أثريائه، لاسيما الطائفيين منهم، الذين يعلم أهل الساحل أنهم السارقون الأُول لأملاك وعقارات الساحل، ليس لعفة يد أثرياء النظام غير الطائفيين، بل لأن سرقة المنطقة حكر على "أهل الدار"، ولا يمكن لهؤلاء أن يسمحوا لـ"غريب" بالدخول إليها.
ساهمت أموال المحسنين في تلييس (طينة) بيت القتيل، وإصلاح سقفه، وطلاء "غرفة النوم" مع تأمين سريرين وفرشتين (طراحتين) وخزانة.. فكيف بدا البيت بعد كل هذه التعديلات.. الصور هي وحدها من تجيب لتحيلنا إلى بيت يصعب حتى على معظم السوريين الذي يصنفون اليوم تحت بند "نازح" -وأنا منهم- أن يتخيلوا العيش فيه.
ليس السؤال في حالة "ش.د" وآلاف مؤلفة مثله إن كان الفقر عيباً، فهذا سؤال قديم وإجابته معروفة، ولكن السؤال هو: هل الفقر هو قدر العلويين الذي يزعمون أن عائلة الأسد (لاسيما حافظ وبشار) قد انتشلتهم من القاع، وأخرجتهم من حال إلى حال، وإذا كان الفقر قدرا فمن الذي فرضه ولأي هدف، ومتى يمكن أن يتغير هذا "القدر"، وهل سيتغير –إن حصل- من تلقاء نفسه، أم إن بيوت ذوي المسحوقين الذي قتلوا دفاعا عن النظام، لن تجد للحجارة البيضاء الفخمة سبيلا، إلا إذا اقتلع المسحوقون تلك الحجارة من قصور هي مرمى بصرهم، ويعرفون تماما أن ملاكها كانوا يوما من فئة "ابن بو جلة"؟!
• "ابن بو جلّة" كناية عن الفقير المعدم، الذي كان أهله يستخدمون روث الماشية، لاسيما البقر، في طهو طعامهم وتسخين الماء.
إيثار عبدالحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية