"أبو علي البيطار" فنان فطري من مدينة "دوما" اختار أن يحول فوارغ الرصاص و(آر بي جي) وقذائف الهاون التي لم تنفجر أو بقاياها بعد الانفجار وبقايا الصواريخ الفراغية المنهمرة على الأطفال وطلقات "الشيلكا" القاتلة إلى فن للحياة وآلات موسيقية تعزف لمن تبقى منهم إرادة البقاء بروح إبداعية مدهشة تؤكد أن آلات القتل والدمار لم ولن تنجح في الانتصار على روح السوريين الصامدة لأنها تسعى أولًا وأخيرا إلى الحياة.
منذ بداية الثورة السورية عندما بدأ النظام بقصف المدينة الثائرة كان أبو علي ينطلق في دروب "دوما" وأزقتها ليجمع مخلفات القذائف وفوارغ الطلقات لأن هذه المخلفات -كما يقول لـ"زمان الوصل"- كانت غريبة جداً على أهل المدينة، ومن ثم نبعت الفكرة بتحويل هذه الفوارغ إلى أعمال يتجلى فيها الإبداع الفني في مواجهة الحرب والدمار.
ويستعيد "البيطار" تجربة سابقة له عندما حوّل الصواريخ الى ألعاب وأراجيح للأطفال وكانت هذه التجربة -كما يقول- رائعة ناجحة جداً، حيث لمس فرحة الأطفال وسرورهم وهم يرون هذه الأسلحة الفتاكة، وقد تحولت إلى وسائل للتسلية والفرح، رغم أن الطفل بفطرته يدرك أن هذه الألعاب هي آلة للقتل والدمار.
في غرفة صغيرة خاصة داخل منزله البسيط تتوزع العديد من الآلات الموسيقية التي صنعها "البيطار" من فوارغ الصواريخ كالكمان والدرامز والعود والغيتار بأشكال فنية تمزج بين بساطة الصناعة وإبداع الفكرة، ويرفض الفنان الدوماني بيع أعماله الفنية رغم حاجته لأنها -كما يقول- ملك للبلد"، معرباً عن أمله بأن يتمكن من عرضها في معرض خاص في الغوطة أو "دوما" تحديداً أو في معارض خارج سوريا ليراها كل الناس.
وأشار إلى أن في مخيلته الكثير من الأفكار ولكن ليس لديه الإمكانيات المادية لتجسيدها وخصوصاً أن "دوما" ترزح تحت وطأة حصار خانق ًمنذ سنوات.
وحول مراحل منتجاته الإبداعية وكيف يتحول العمل الفني بين يديه من مادة خام إلى قطعة تنطق بالإبداع أوضح الدوماني أن كل قطعة تمر بعدة مراحل حتى تصبح عملاً فنياً، حيث يقوم بتنظيف القطعة أولاً من الأوساخ ثم يحولها إلى الشكل الفني الذي يرغب به عن طريق لحام الكهرباء ثم يعطي القطعة اللون النحاسي المألوف العجيب.
ولفت أبو علي إلى أنه يحصل على فوارغ الصواريخ والقذائف من الأصدقاء ومن الأراضي الزراعية ومن المباني التي تعرضت للقصف، مشيراً إلى أن "هناك صعوبة تواجهه في الحصول على الفوارغ لأن الكثير من الناس وبخاصة الأطفال يتهافتون عليها ويبيعونها للحدادين والحرفيين الذين يعيدون تصنيعها والاستفادة منها.
ولأن سلاح الإعلام والفن أقوى من سلاح الطيران، وهذه الفوارغ من مخلفات آلة قتل معروفة عالميا أراد الرجل الأربعيني أن يوصل رسالة إلى العالم بأن الشعب السوري يحب الحياة ويحب السلام ويحب الفن والجمال، مردفاً أنه انطلق في فكرة تحويل مخلفات آلة القتل إلى أدوات موسيقية من مقولة العالم الغربي بأن الموسيقى هي لغة العالم، لذلك أراد أن يصرخ في وجه هذا العالم: "لماذا لغتكم في سوريا هي القتل".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية