أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لقطاء ومتسولو سوريا.. مستقبل واعد بالجريمة والضياع

إحصائية رسمية: عدد اللقطاء في دور الرعاية بلغ ما يقارب 500 لقيط معظمهم في دمشق

وجد هذا الطفل يوم الخميس الفائت في مدخل جامع الرازي بالبرامكة وسط العاصمة دمشق، وهو بصحة جيدة مع رسالة تتمنى على خادم المسجد رعايته ريثما يتمكن أحد من أهله من القدوم لجلبه، وإن لم يتمكنوا هو أمانة في عنقه (حسب صفحة محلية).

هكذا تبدو الرواية سينمائية في بلدٍ بات من الممكن أن تصدق فيه كل شيء، وتنفيه في نفس الوقت، فقد بلغ الجنون والقهر والفقر مراحل لم يعد فيها المواطن آمناً على نفسه وعرضه وماله.

وانتشرت الموبقات حداً أصبحت فيه الرذيلة مبررة بكل ما سبق من أسباب، ولكن هذا بالطبع ليس ديدن السوريين فهم تحملوا فوق طاقة البشر، ولكن نسبة كبيرة من اليائسين والمتخاذلين وعديمي الشرف بدأت تطفو على السطح فيما كانت محدودة ومنبوذة، وبيوت الدعارة السرية معزولة ويشار لها بالبنان.

اللقطاء هم الخطر الذي يهدد سلامة المجتمع السوري، وهؤلاء هم إما مرميون في الشوارع الجانبية أو الحاويات، وأولئك الذين قتلت الحرب ذويهم وتاهوا في أصقاع البلاد، ويقوم بتشغيلهم قائمون على عصابات التسول والدعارة، وكل هؤلاء لقطاء لا يمكن التمييز بينهم حتى لو كانوا أبناء زنا أم حلال فكلهم يعانون نفس المصائر السوداء.

لا إحصائيات جديدة عن هؤلاء سواء من منظمات مدنية أو حكومية، وبين مناطق سيطرة النظام والمعارضة يعيش هؤلاء الأطفال دون أي رعاية وعرضة للاستغلال والاستثمار، ولكن ما يمكن الاستنارة به هو ما ورد من إحصائيات لوزارة الشؤون الاجتماعية التابعة للنظام، حيث تحدثت في نهاية 2014 عن أرقام تبدو عادية خصوصاً أمام مشاهدات الشارع التي تبدو هائلة في انتشار الأطفال المتسولين والمشردين والذين ينامون في الحدائق والكراجات.

تقول وزارة الشؤون الاجتماعية: "عدد الأطفال اللقطاء في دور الرعاية بلغ ما يقارب 500 لقيط موزعين في عدد من المحافظات"، مشيرة إلى أن "عدد اللقطاء في محافظة دمشق وصل إلى 150 لقيطاً في حين بلغ عددهم في محافظة حلب 70 لقيطاً وفي محافظة حمص 40 لقيطاً في حين سجلت محافظة حماة 35 لقيطاً".

كما جاء في تقريرها أن عدد اللقطاء ارتفع عن الأعوام المقبلة إضافة إلى أن هناك مئات الأطفال فقدوا أبويهم في المناطق التي تشهد نزاعاً دموياً...فيما برر القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي زيادة هذه الأرقام نتيجة فقدان الطفل لأبويه بسبب الحرب التي تمر بها سوريا، وأنه لابد من التمييز بين اللقطاء الذين ولدوا من أبويين غير شرعيين وتخليا عن الولد فأصبح "مجهول النسب"، وبين اللقطاء الذين فقدوا والدهم ولم يبلغوا سن التميز أي إنهم لا يستطيعون تذكر نسبهم.

قانون رعاية اللقطاء الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 في 4-5-1970 يعرّف اللقيط بأنه هو الوليد الذي يعثر عليه ولم يعرف والداه، وجاء في المادة 18 منه: 
المادة 18- يعتبر بحكم اللقطاء، وتسري عليهم أحكام هذا المرسوم التشريعي:
أ)- الأطفال مجهولو النسب الذين لا يوجد من هو مكلف بإعالتهم شرعا.
ب) - الأطفال الذين يضلون الطريق ولا يملكون المقدرة للإرشاد عن ذويهم لصغر سنهم أو لضعفهم العقلي أو لأنهم صم بكم ولا يحاول أهلهم استردادهم.

أما على أرض الواقع فينتشر الأطفال في شوارع دمشق على سبيل المثال موزعين على الإشارات الضوئية وأمام المقاهي وقرب الحاويات دون أن يلتفت إليهم أحد، ووزارة الشؤون الاجتماعية النابعة للنظام ليس لها أي دور فعلي قبل الثورة فكيف في ظل الفوضى الكبيرة التي تعيشها البلاد.

أمام مقهى "الكمال" يقف أطفال بشعر أحمر وأيادٍ وأقدام مشققة على مدار ساعات النهار يتسولون، ويسرقون ما تصل إليه أيديهم، وهم صبيان وبنات بين الخامسة والعاشرة، وبعضهم يعرض عليك ما في علبة الكرتون من بسكويت رخيص، وعندما تسأله من أين أنت جزء منهم يهرب، ومن يجيب تكون إجابته: مات أهلي في الحرب.

هؤلاء تمكنت منهم عصابات التسول، وشغّلتهم ضمن مجموعات تنتشر في الشوارع، وتعود مساء إلى غرف مظلمة تأكل ما يقدم لها وتنام بانتظار يوم آخر جديد من الضياع.

في حالة الطفل الذي وجد في مدخل جامع الرازي يبدو الأمر من نمط آخر، وقد يكون طفلاً من زواج شرعي لم تعد أمه قادرة على رعايته، أو ابناً لعلاقة طائشة وهي ما ينتشر الآن بين من فقدن أزواجهن أو عائلاتهن والتقطهن الشبيحة وجيش النظام، وتعرضن للاغتصاب، وتجنباً للعار رمين بأطفالهن إلى أمكنة شتى.

آخرون مات أهلهم في اقتحامات الجيش الأسدي وميليشياته، ونجوا من الموت بالقصف والرصاص، لكنهم وقعوا في يد الضياع والخراب وأبناء الحرام، وثمة من لا يتذكر من هو مصدوماً من هول ما رأى شارداً دون أي اهتمام من أحد، لا مؤسسات ولا جمعيات سوى ما بقي من فاعلي الخير يلمون بعض هذه الأجساد أو يرمون لها بعض طعام.

ناصر علي - زمان الوصل
(180)    هل أعجبتك المقالة (297)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي