"رح احفر لك قبرك.. واجعل الله ما خلقك"، بهاتين العبارتين الصريحتين في معناهما هدد "دريد الأسد" علناً أخاه "فراس الأسد"، إن هو تمادى في "تشويه" صورة والدهما رفعت الأسد، واستمر في نشر مذكراته التي تكشف بعض جوانب حياة وعلاقات "القائد"، كما يحلو لرفعت أن ينادى ويحلو لمؤيديه أن ينادوه.
قبل نحو 20 يوما، أعلن "فراس" رغبته في نشر "مجموعة من مذكراته"، التي قال إنه سيغلب عليها "الطابع الشخصي و العائلي أحيانا، والطابع العام أحيانا أخرى، وقد تكون شخصية جدا ولكنها تحمل أبعادا مختلفة"، وبالفعل بدأ "فراس" في نشر جزء من سلسلة مذكراته، مبرزا فيها حجم البذخ الذي كان يعيشه هو ووالده "رفعت" وحجم العلاقات والحماية التي كانوا يتمتعون بها.
*من وين عم تصرف؟
تفاعل مع هذه المذكرات عدد لا بأس به من رواد صفحة "فراس"، وطالبوه بالمزيد، ما جعل أخاه الأكبر "دريد" يخرج عن طوره ويهدده علناً إن هو مضى في نشر المذكرات، مخاطبا إياه: "انتبه ممن يقولون لك : غمق أبو مضر (لقب فراس).. بدنا بالعميق.. ناطرينك أبو مضر.. هؤلاء ممن يعلقون لك على صفحتك هم من يريدون تعليق مشنقتك وحفر قبرك".
وتابع "دريد": "هلق رح قولها: أي رح أحفر لك قبرك.. بتعرف كيف؟ رح بينك على حقيقتك إذا استمريت بالتمادي بالكلام والإساءة لعائلتك ولأفراد عائلتك.. ما في حدا فيه ذرة عقل بيعمل يلي عم تعملو.. برجع بقلك باب التوبة مفتوح لمن يحب... كلنا مستعدون للوقوف إلى جانبك و معك لكن دون أن تسيء إلينا أو لوالدنا الحبيب، أما أنو أتركك تتطاول على الآخرين واترك لك الحبل على الغارب.. خسئت وألف خسئت.. وبرجع بقلك إني في حال استمرارك تأكد أنو رح كون وراك وجردك من كل أكاذيبك و ريائك و افتراءاتك".
وانتقد "دريد" بحدة إقدام "فراس" على إضافة حرف "ن" بين اسمه الأول وكنيته "الأسد"، في خطوة علق عليها "دريد": "بفهم وقت بتكتب فراس نون الأسد.. يعني مش عاجبك أنك تكون ابن رفعت الأسد.. لكن أنت مش عاجبك لا بيّك ولا خيّك ولا خيتك ولا عاجبك عمّك ولا عمّك التاني ولا عمتك... ولا عاجبك ابن عمّك هاد أو هداك أو التالت والرابع وهكذا!

ومضى "دريد" مخاطبا أخاه: "ليكون أنت مفكر وقت بتكتب عني عبارة: دريد رفعت الأسد بيكون ذم الي ولك تافه ؟! لك إلي كل الشرف بهي التسمية ما أحسن ما كون كاتب فراس نون الأسد؟!.. كما وعدتك الآن أعدك ... و الله تتنفس بحرف واحد على الوالد أو أي صغير من العائلة لأجعل الله ما خلقك.. بدك توسخ روح وسخ بعيد".
ووجه "دريد" أسئلة واتهامات صريحة لأخيه، قائلا: "هذا المدعي الأفاك.. المفتري على الأحياء والأموات مفكرينو عايش ببيت من التنك؟ قاعد الزلمة بكومباوند يلي بيقعدوا فيه الأغنياء.. لكن السؤال يلي بدي أسالو ياه: أنت صرلك خمس سنين قاعد بمحل وغالي كتير يا ترى من وين عم تصرف و كيف عم تصرف؟! وقبلها أنت كنت بسورية وبقيت اكتر من 15 سنة فيها من دون أي عمل ولا شغل دخلك من وين كنت عم تصرف على نفسك وعائلتك؟! سيارات الدولة لساتها يمكن لهلق مصفوفة بالكراج تبعك.. لك حبيبي بدك تسب على العالم رجعلون سياراتون ولا بقى تاخد رواتب من حدا!! أما إنو سيارات الجماعة لسا عندك ونازل المسبات والله عيب.. بس خبرنا من وكيف عم تصرف على حالك؟ وكيف سمحلك وضعك المالي يلي إنك تاخد بيت في أحياء الأغنياء بالمكان يلي أنت فيه؟!".
كل هذه التهديدات والغسيل الذي نشره "دريد"، واجهه "فراس" بمنشور وحيد قال فيه: "بكل الحزن والأسى قرأتُ منشورا لأخي، دريد رفعت الأسد، يهددني فيه بأنهم سوف يحفرون قبري إن أنا تابعت في كتابة ذكرياتي التي أنشرها على الفيسبوك!"
وتابع "فراس": "أنا أكتب اليوم لأطالبكم بأن تمهلوني عاما واحدا فقط، حتى يتسنى لي كتابة القسم الأهم من ذكرياتي والتي تحتاج كلها لعامين أو ثلاثة أعوام من الكتابة المتواصلة!، وبعد ذلك سوف أذهب معكم إلى مكان القبر، وسوف أساعدكم بالحفر لو أردتم، علّ ذلك يخفف شيئا من ذنوبكم!"
وتعهد "فراس" بأن لا يتوقف عن نشر مذكراته "مهما حصل"، معقبا: "حلمي أن يُكتَب التاريخ بلا تزوير... وسوف أحرص على ذلك من زاويتي الصغيرة!".
وإثر ذلك عاد "دريد" ليهدئ لهجته تجاه أخيه نوعا ما، حين قال: "ما هيك كان قصدي أبدا.. كان كل قصدي إني أردعك عن التعرض لأبيك وإخوتك ، كان كل قصدي إنك ترجع لعنا و لحضنا و نحطك بين عيوننا، الله يسامحك.. الله يعفو عنك و يعافيك ويحفظلك عائلتك و وأولادك.. فراس وليف الصبا و صديق الأيام و رفيق الدرب الطويل... لكنه اخطأ وانحرف بتطاوله على أبيه وعائلته، أنا من هنا ادعوه أن يستهدي بالله و يغتسل بماء الرحمن ويعي أن لا مصلحة لأحد في انتشار هذا الأمر إلا من استعدانا جميعاً.. أتمنى أن تصل كلماتي هذه إلى قلبه و روحه سأكون عندها أكثر الناس سروراً به وبعودته ولو بعد غياب قصير".
*حارة في جنيف
ولكن ما الذي نشره "فراس" حتى استحق كل هذا الوعيد العلني الشديد من أخيه الأكبر "دريد"، دون أن يعبأ الأخير بصورة "أولاد رفعت" أمام جمهورهم، باعتبارهم أبناء "القائد" و"الدكتور" الذي "ربى" آلافا مؤلفة من السوريين، ولم يستطع أن "يربي" أولاده.
كل الذي نشره "فراس" ليس سوى قطرة بسيطة من بحر عائلة الأسد، وخصوصا رفعت، الذي ارتبط اسمه بما لا يحصى من ملفات القتل والاعتقال والفساد وسرقة المال العام، وقد تحدث "فراس" بطريقة غير مباشرة عن فساد عائلته وأبيه، وهو يركز بين سطر وآخر على مظاهر الترف التي كان هؤلاء يتقلبون فيه وما زالوا.
ففي إحدى الحلقات يحاول "فراس" رواية ذكرياته المتعلقة بقرار ذهابه إلى العراق إبان اجتياح الكويت، ولقائه بوالده في قصره: "فجأة مد يده إلي مصافحا، وقال: اذهب إلى باسي لترتاح وغدا أو بعد غد نلتقي مجددا.. باسي هي منطقة في الدائرة السادسة عشرة من مدينة باريس، وهي منطقة معروفة بسكانها من الطبقة الغنية، يوجد فيها بناء ضخم كبير على مقربة من بناء "إذاعة فرنسا"، و"يملك" والدي في ذلك البناء عدد كبير من الشقق السكنية، و كان له فيه في منتصف الثمانينات مكتب يجتمع فيه بشكل دوري مع ضباطه و شخصيات أخرى كانت في عداد "الوفد"، وكان هذا المصطلح "الوفد" يُستعمل من قبل الجميع للإشارة إلى كافة السوريين التابعين للوالد في باريس و الذين كانوا جميعهم يقبضون الرواتب الشهرية منه.. وكان عددهم بالمئات في منتصف الثمانينات!".
وفي حلقة أخرى يقول "فراس" وهو يصف قراره بالذهاب إلى العراق بينما كان حينها يقطن في "جنيف": "للحقيقة كانت لدينا حارة صغيرة خاصة بنا في جنيف، فيها خمسة بيوت أساسية وبينهم حدائق، وكان يوجد شارع صغير يفصل بين منزلين كبيرين في الجانب الأعلى منها، وثلاث بيوت متوسطة الحجم في الجانب الأسفل منها حيث كان يوجد بيتي. و أقول جانب أعلى وجانب أسفل لأن المنطقة تقع على مقربة من بحيرة "جنيف".. كانت لدي وقتها سيارة دبلوماسية بسبب أن اثنان من أفراد العائلة لديهم إقامات دبلوماسية في سويسرا، و أحدهم كان يشغل منصب السكرتير الأول للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة.. وهو على ما أعتقد يعتبر المركز الثالث في البعثة بعد السفير والقائم بالأعمال.. طبعا هما لم يكونا يعملان في إطار البعثة فواحد منهما كان يسكن في باريس والآخر يسكن في سوريا ولا أعتقد أن أيا منهما كان يعرف حتى عنوان البعثة السورية في جنيف".
ويفصّل "فراس" في مقطع آخر من نفس الحلقة: "أبلغت والدي بذلك (قراري بالذهاب إلى العراق) فقال أنه سيكون بانتظاري عند وصولي إلى باريس، وقال أنه سوف يذهب إلى تافيرني لينتظرني هناك.. تافيرني هي قرية في الريف الباريسي "يملك" فيها والدي أرضا كبيرة فيها إسطبلات للخيول، وفيها قصر واحد مع منشآته الخدمية، وفيها بيوت عدة يسكنها سوريون مع عائلاتهم ممن كانوا قد خرجوا معه من سوريا في عام 1984، بعد الخلاف الشهير مع الرئيس حافظ الأسد، وبعضهم كان قد تبعه لاحقا، أغلبهم كانوا يعملون في الحراسات و المرافقات و الخدمات المتفرقة... أخرجتُ المرسيدس الدبلوماسية تلك من مرآبها واتجهت بها إلى الحدود الفرنسية.. لم يكن لدي فيزا فرنسية وقتها ولكني اصطحبت معي جوازا أوروبيا كان قد أعطاني إياه والدي للمساعدة على السفر و التنقل في أوروبا، و كان قد دفع ثمنه خمسة و عشرين ألف دولار للشيخ مارسيل خوري من لبنان.. الذي كان و عائلته من الأصدقاء القدامى لوالدي".
وقد دفعت مثل هذه الإشارات بخصوص الغنى الفاحش بعض المعلقين للسؤال عن مصدر هذه الثروات التي أحالت عيشة رفعت الأسد وأسرته إلى ما يشبه حياة أغنى الأسر المالكة، في حين كان السوري وما زال يجري وراء ما يسد رمقه، مستغربين من "فراس" رواية هذه التفاصيل وكأنها أمر عادي جدا وغير مستهجن، وهنا ردّ كاتب المذكرات: "حدا قال إنو هاد (الغنى الفاحش) طبيعي ومو مستهجن؟!!"، متسائلا باستنكار "إنتوا ما بدكن الحقيقة؟!!".
* عم يقصوا ذهب
وداخل هذه المذكرات يروي "فراس" بعض خفايا وخبايا الصراع الذي حاول "حافظ" تصويره للسوريين بأنه كان صراعا بين حق وباطل، لم تأخذ فيه "حافظ" لومة لائم ولا حتى شفقة بأخيه الذي حاول الهيمنة على البلد وسرقته، فيما الواقع أن الخلاف لم يكن سوى مسرحية أو مقدمة لتقاسم ثروات سوريا.
ففيما كان رفعت يناقش ابنه "فراس" لثنيه عن قرار الذهاب بشتى الوسائل، ومنها تخويفه بالمصير الأسود الذي ينتظر والدة "فراس" (والدة فراس هي واحدة من 4 زوجات لرفعت) وأخوته الباقين في سوريا، وما يمكن أن يجره موقف "فراس" من سخط "حافظ الأسد" الذي أرسل جيشا لمحاربة العراق، أفهم "فراس" أباه رفعت أن ما يقوله مجرد تهويلات لا داعي لها، معقبا: "نزول دبابات سرايا الدفاع إلى شوارع دمشق، وما حدث بينك وبينه منذ سبع سنوات (الكلام في سنة 1991) هو أكبر بمليون مرة من ذهابي اليوم إلى العراق، ومع ذلك فإن بيوتك كلها في سوريا ما زالت هناك، والعائلة كلها في أحسن حال هناك، و أبناؤك يعملون ويمارسون نشاطاتهم التجارية، ولهم مكانتهم في سوريا، و لا يُردّ لهم طلب، ولا يجرؤ مخلوق في سوريا على الاقتراب منهم، و فوق كل ذلك أنت نفسك ما زلت نائبا للرئيس!!! فكيف يمكنك إقناعي أنهم اليوم، أو أنكم اليوم، سوف تدفعون ثمنا لفعل طائش أقوم به أنا".
وليست هذه كل حكاية "العز" الذي كان يحيط به رفعت نفسه، فهناك جانب آخر لا يقل إثارة للاستهجان يتعلق بتعامل الدولة الفرنسية مع "رفعت" والحفاوة والرسمية التي كانت توليه إياها، وهو ما تكشفه بعض سطور المذكرات، حيث يروي "فراس": "كان والدي لديه علاقة قوية جدا مع الدولة الفرنسية ولديه في إطار الطبقة السياسية والأمنية علاقات شخصية متعددة، وكان جميع السوريين التابعين له في فرنسا يحملون إقامات فرنسية والتي كان يتم الحصول عليها بمجرد الطلب إلى ضابطة اتصال فرنسية، تدعى نادين على ما أذكر، وكانت مُنتدبة من قبل وزارة الداخلية لدى الوالد للاهتمام بجميع الشؤون المتعلقة به وتأمين ما يلزم على مستوى العلاقة مع الحكومة الفرنسية. و كان لوالدي عدة لقاءات مع الرئيس الفرنسي في حينها فرنسوا ميتيران، وقد حضرت أحد تلك اللقاءات في منزل المرحوم فرنسوا دوغروسوفر والذي كان صديقا شخصيا ومستشارا للرئيس الفرنسي، وكانت حاضرة معنا في ذلك الاجتماع بصفة مترجمة الآنسة أمل قزعون اللبنانية الجنسية، والتي كانت من أقرب المقربين إلى العائلة وقتها و كان لها العديد من النشاطات الإدارية و التجارية معنا في فرنسا وإسبانيا.كانت فرنسا تتعامل مع والدي بصفته نائبا لرئيس الجمهورية العربية السورية لشؤون الأمن.. و لهذه أسبابها الموضوعية التي سوف أتحدث عنها في ذكريات أخرى.. كان أخوتي السبعة الصغار يدرسون في مدارس باريس منذ سنوات و لهم حياتهم المتكاملة هناك".
لم تخض مذكرات "فراس" حتى الآن في "العميق"، ولم تقدم رواية غير متداولة، ولكن ما جعلها مثيرة للاهتمام ومثيرة لحنق "دريد"، أنها الشهادة العلنية الأولى من أحد أبناء رفعت على حياة رفعت وأسرته، وأنها تنقل بعض مشاهد الترف والبذخ (قصور، أموال، علاقات، تجارة..) التي حاول الأسديون الاستئثار بها وبسريتها مدة طويلة.
ويبدو أن أكثر ما استثار "دريد" وجعله يهدد أخاه بالقتل، هو تعرض "فراس" لقضية استنجاد والده "رفعت" به وطلبه له بأن يقطع دراسته في الولايات المتحدة ويعود إلى أوروبا، لأن "رفعت" بحاجته، وهنا يروي "فراس": "احتراما مني لأخوتي فأنا سوف أختصر هنا إلى أبعد الحدود، و سوف أكتفي بالقول أن والدي عبّر عن غضبه منهما، وبأنه أعلمني بمحاولات عديدة كان قد أجراها معهما لإقناعهما بالمجيء و لكن دون جدوى.. مضر ودريد تخلوا عني، قاعدين ليقصّوا دهب بسوريا، وسومر أكبر أخوتك الصغار لساتو في الثانية عشر من عمره.... وما باقي عندي غيرك.. أنت أملي الوحيد.... فلا تتخلى عني".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية