أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على وقع المناطق الآمنة.. علاقات واشنطن وموسكو وأنقرة تتعرض لأول اختبار عملي

مع الشرطة العسكرية الروسية في حلب - جيتي

في أول اختبار للعلاقات الروسية الأمريكية بعد تولي "ترامب"، وكذلك للعلاقات الروسية التركية، والتركية الأمريكية، برز التباين جليا، في مواقف العواصم من قضية إنشاء مناطق آمنة في سوريا، وهي المناطق التي أكد "ترامب" أنه ماض في إقامتها، حسب ما قال في أول مقابلة مرئية معه بعد دخوله البيت الأبيض.

وجاء رد الفعل الروسي مناقضا تماما للرد التركي على مشروع المناطق الآمنة التي ينوي "ترامب" إنشاءها في سوريا، فقد حذر المتحدث باسم الرئاسة الروسية "ديمتري بيسكوف" الولايات المتحدة من مغبة هذا المشروع، داعيا إياها للتفكير مليا في عواقبه.

ولم يحمل رد موسكو أي صبغة تهديد واضحة، بل اكتفى بالقول: "من المهم أن هذا لا يؤدي (المشروع) إلى تفاقم الوضع.. وينبغي التفكر بجميع العواقب المحتملة".

وأكد المتحدث باسم "كرملين" أن الولايات المتحدة لم تشاور موسكو في مشروع المناطق الآمنة.

وفي أول مقابلة مرئية معه، شدد "ترامب" على أنه ماض وبشكل "مطلق" في إنشاء مناطق آمنة بسوريا، موجها انتقادات لأوروبا التي قال إنها ارتكبت خطأ كبيرا عندما سمحت لملايين اللاجئين بدخول أراضيها، معقبا: "لا أريد أن يحدث ذلك هنا (في الولايات المتحدة)".

وتقول وثيقة مسربة نشرتها وسائل إعلام غربية، إن "ترامب" يخطط لتوقيع أمر ينص على إنشاء "مناطق آمنة" للمدنيين السوريين، يقضي بتعاون وزيري الخارجية والدفاع، وعملهما لوضع خطة في غضون 90 يوما من تاريخ صدور الأمر، تكفل الانطلاق بمشروع المناطق الآمنة.

وجاء الرد التركي على مساعي "ترامب" مختلفا بمقدار 180 درجة عن الرد الروسي، حيث سارعت أنقرة للتعبير عن ترحيبها بالأمر، مذكرة بأن المناطق الآمنة كانت وما زالت مقترحا تركياً، تم طرحه منذ زمن.

وإذا ما مضى "ترامب" في مشروعه فسيكون قد كسر واحدا من أبرز خطوط سلفه "أوباما" الحمراء في تعاطيه مع الملف السوري، حيث رفض اقتراح إنشاء المناطق الآمنة عدة مرات، مستمعا إلى مستشاريه الذين قالوا له إن إقامة هذه المناطق سيتطلب نفقات باهظة واستعدادات مختلفة.

ومنذ تقارب روسيا الأخير مع تركيا، وترحيب موسكو المتكرر بقدوم "ترامب" إلى سدة الرئاسة الأمريكية، فإن مشروع المناطق الآمنة، يمثل الاختبار الأول الذي تعيشه علاقات الدول الثلاث فيما بينها، على المستوى الثنائي والثلاثي، دون أن يتضح بعد ما إذا كان الملف السوري سيكون عقدة منشار في هذه العلاقات، أم إن الدول الثلاث سوف تحله بطريقة اقتسام الكعكة، حيث يعلو صوت المصالح غالبا، ويرضى كل طرف بحصته.

وحتى الآن، يبدو الأمر الواضح للعيان أن "ترامب" مصر على شطب الحقبة "الأوبامية" من تاريخ السياسة الأمريكية، وإعادة إدخال بلاده في صلب القضايا الحساسة حول العالم وقيادة هذا التدخل مباشرة، باعتباره أمرا يكفل لأمريكا أن تعود "عظيمة من جديد" كما هو شعار "ترامب"، وينفي عنها صفات السلبية والانعزالية التي لازمت "أوباما" وهو يروج لسياسة "القيادة من الخلف". 

وفي نفس الوقت يبدو واضحا أن موسكو غير راضية عن مشروع المناطق الآمنة، ولكنها بالمقابل غير قادرة أو راغبة في مواجهة "ترامب" وهو في أول أيام رئاسته وأوج اندفاعه، كما كانت تواجه "أوباما" بعبارات تهديد واضحة، وهي مطمئنة إلى سلبيته تجاه الملف السوري، وتردده في اتخاذ أي قرار حاسم بشأنه، حتى عندما توفرت له معظم المسوغات اللازمة، كما حصل عقب الهجوم الكيماوي الكبير صيف 2013.

أما الموقف التركي فيقول أن أنقرة ربما تكون عادت للمراهنة على الحصان الأمريكي بقيادة "ترامب"، بعد أن يئست من ذلك في عهد "أوباما"، ولكن الرهان لايمكن أن يكون كاملا بعد، لأنه مشروط بعدة قضايا حساسة، منها ما يمس الشأن السوري مباشرة (قضية المليشيات الكردية وإمدادها بالدعم الجوي والسلاح والخبرات الأمريكية)، ومنها ما يمس الشأن التركي في صلبه (قضية تسليم زعيم الكيان الموازي فتح الله غولن إلى أنقرة).

والخلاصة أن مشروع المناطق الآمنة، في حال المضي به، لن يكون مشروعا من شأنه خلط أوراق الملف السوري وحسب، بل خلط أوراق العلاقات الدولية والإقليمية، وإعادة تشكيل جزء منها، وهذا ما سيثبت بطريقة أو بأخرى إن كانت أمريكا قد عادت لتكون "عظيمة" كما يشتهي "ترامب".

زمان الوصل
(103)    هل أعجبتك المقالة (97)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي