#"تامينجه" كان قريبا جدا لبشار في "سنوات العسل" بين أنقرة ودمشق
#"ترامب" شريك "عارف" و"عارف" شريك "تامينجه"، والجامع بين كل هؤلاء مافيوي روسي
#"عارف" كان يبيع الجنس للمخمليين في عالم السياسة والمال، ويخت "أتاتورك" شاهد
لا يوحي المكان الذي اختير في العاصمة الكازاخية لاستضافة المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام.. لا يوحي للوهلة الأولى، ولا حتى مع التمحيص في شكله، بأي شيء لافت للانتباه، فـ"ريكسوس بريزدانت أستانة" شبيه بأي فندق مصنف يمكن أن تجد مئات الفنادق الشبيهة به في عواصم العالم.
لكن خلف "ريكسوس بريزدانت" ما يكفي من قصص غريبة وربما شاذة، تجعل ارتباطها بما يسمونه "مؤتمر أستانة" مجرد فصل في كتاب، ستفتحه "زمان الوصل" أمامكم لتقرأه معكم، توثيقا للحظة يفترض أن تشكل إحدى "مفارق" المتاهة السورية، التي كثرت تقاطعاتها حتى غدت عصية على الإحصاء والإدراك.

*نفس السنة
بداية قصة "ريكسوس أستانة" تبدأ من مؤسسه ومالكه، رجل الأعمال التركي "فتاح تامينجه"، الذي أسس سنة 2000 (للمفارقة سنة وراثة بشار للحكم) مجموعة فندقية دعاها "ريكسوس"، مستوحيا اسمها من أحد "الأبطال الإغريق" الذين بنوا مدينة "أنطاليا" مسقط رأس "تامينجه".
ومع مرور السنوات صار للرجل الشاب صولة وجولة في عالم الأعمال والاستثمار، قادته فيه الخطى تارة نحو الإعلام وأخرى نحو الرياضة مع بقائه محتفظا بالوفاء لقطاع الإنشاءات والفندقة الذي انطلق منه.
وكما قادته الخطى إلى المال الوفير، قادته أيضا إلى شبكة من الصلات مع كثير من الشركات والأشخاص، الذين ارتبط اسمهم واسمه فيما بعد، بسلسلة معقدة من العلاقات والفضائح السياسية والمالية والأخلاقية، التي تبدو أشبه بكرة صوف متشابكة لا يعرف أولها من آخرها.
يحلو لمن يقدمون "تامينجه" بوصفه نموذجا ناجحا لرجال الأعمال أن يذكروا بأنه بدأ حياته العملية في سن 18، وفي غضون 5 سنوات (عندما كان في سن 23) أصبح الشاب واحدا من أكبر دافعي الضرائب في عموم تركيا، كناية عن تضخم أعماله وثروته.
قبل 17 عاما من اليوم، ثبّت الرجل أقدامه في عالم الفندقة عبر إطلاق شركة "ريكسوس" التي بنت وشغلت قرابة 26 فندقا، توزعت على عدة بلدان أهمها: مصر، الإمارات، كازاخستان، أذربيجان، روسيا، سويسرا وطبعا تركيا.
وتقول إحصاءات متوفرة قبل نحو 4 سنوات من الآن، إن الرجل يشغل في شركاته وفنادقه قرابة 13 ألف موظف، وإن مجموع إيراداته السنوية تقارب 1.3 مليار دولار.
في عام 2009 مثلا، وخلال مدة تقارب 20 يوما زار "تامينجه" دمشق مرتين، من المؤكد أنه التقى في إحداهما بشار وزوجته وولديهما (كان لديهما ولدان فقط حينها) وتناول الجميع العشاء مساء 26/11/ 2009، والتقطا الصور التي تدل على حميمية العلاقات، ثم غادر المتمول التركي بعد 3 أيام.
وفي 22/12/2009، عاد "تامينجة" بطائرة خاصة إلى دمشق، وحينها راسل مكتبه الخاص "وزارة شؤون رئاسة الجمهورية" في سوريا طالبا منها تسهيل مهمة هبوطه واستقباله.
لكن رأس الجبل البادي من خلف علاقة "تامينجه" ببشار، يبدو ضئيلا مقارنة بباقي المعلومات الخاصة برجل يستضيف فندقه اليوم مباحثات "أستانة"، التي يحاول الروس ومن وراءهم تسويقها على أنها "قشة الخلاص".
وقد بدأ جزء من علاقات "تامينجه" المتشابكة والمثيرة للريبة يتكشف شيئا فشيئا اعتبارا من 2010، وزاد انكشافه مع نشر ملف التسريبات الضخم "أوراق بنما" (ربيع 2016)، حيث تبين أن لدى المتمول التركي شبكة أكثر عمقا وتشعبا.
وكان "تامينجه" من بين مجموعة أثرياء أتراك سلطت "أوراق بنما" الضوء على نشاطاتهم وشركاتهم التحايلية، التي تسمى في علم الأعمال "أوف شور" ويتم إنشاؤها في بلدان تعد بمثابة "جنات ضريبية" لمن يريدون قطاً خشبيا، يصطاد لهم الأموال ولا يأكلها.
وتؤكد جملة التحقيقات والتقارير التي بنيت على "أوراق بنما" وعلى وقائع أخرى، أن "تامينجه" وشركاته كانت على علاقات بشركات تصل إلى رئيس أقوى دولة في العالم "دونالد ترامب"، وأن واسطة هذه العلاقات كان رجل أعمال كازاخي مثير للجدل يدعى "توفيق عارف"، كان ويبدو أنه ما زال أكبر شركاء "تامينجه"، الذي يعد اسمه نارا على علم في أسواق كازاخستان نظرا لما يملكه فيها من استثمارات ضخمة، من بينها 4 فنادق.

*سافارونا
في بداية الألفية الحالية ظهرت في الولايات المتحدة شركة تطوير عقاري تسمى "باي روك"، ارتبط اسمها فيما بعد باختلاسات وقضايا نصب وفشل،ـ وبشراكات وعلاقات مشبوهة كان من أقطابها رجل الأعمال والرئيس الأمريكي الحالي "ترامب"، ورجل أمريكي آخر من أصل روسي اسمه "فيليكس سيتر"، فضلا عن "عارف" و"تامينجه".
في الحقبة السوفياتية خدم "عارف" في وزارة التجارة، وعندما هوت الشيوعية وتفكك معها الاتحاد السوفياتي، انطلق الرجل إلى تركيا ليستثمر في العقارات والفنادق، ويلتقي بـ"تامينجه"، الذي سبق وأقر بأن "عارف" دخل معه في شراكات.
ورغم أنها ثارت منذ سنوات، فإن قضية "باي روك" لاتزال ساخنة وكأنه تم الكشف عنها للتو، حيث لا تزال لعناتها تطادر "ترامب"، الذي خضع لاستجواب مطول حول علاقته بـ"عارف" و"سيتر"، اعترف خلاله أنه كان شريكا في أعمال "باي روك" وأنه كان يعلم ماذا تقوم به، ولكنه لم يكن يعلم عن ماهية ملاكها.
وفضلا عن تورط "باي روك" بالاحتيال وإهدار واختلاس الملايين من الدولارات، فإن للقضية جانبا آخر لايقل خطورة يلقي الضوء على تشابك علاقة "ترامب" مع الروس، عبر "عارف" و"سيتر"، وعلاقته بقضايا الفساد الأخلاقي والمالي، التي ثبت تورط "عارف" و"سيتر" فيها.
أما سجل "سيتر" الجنائي القذر، فهو منشور ومعروف لدى الأمريكان والروس، ومنها ماضيه المافيوي الممتزج بنكهة الجاسوسية، ومع ذلك فإن الرجل وصل إلى مرتبة كبير التنفيذيين في "باي روك" وكبير المستشارين لدى "منظمة ترامب"، والمحظي المقرب إلى درجة ائتمانه على اصطحاب عائلة "ترامب" في رحلة إلى موسكو عام 2006.
وأما "عارف" ففضلا عن فضيحة "باي روك"، فقد تورط في إدارة شبكة دعارة تختص بـ"الزبائن المخمليين" من سياسيين ورجال أعمال، وقد قبض عليه وعلى بعضهم متلبسين في خريف 2010 على واحد من أشهر وأكبر يخوت العالم.. "سافارونا" اليخت الذي كان يستخدمه "مصطفى كمال أتاتورك".
وإبان هذه الحادثة الفضيحة، كافح "تامينجه" بكل ما أوتي لنفي أي علاقة له بـ"عارف"، لكنه لم يستطع أن ينفي أنهما كانا شريكين.
في ربيع 2016، حين بدأ الكشف عن نحو 11.5 مليون وثيقة من "أوراق بنما"، عاد اسمي "عارف" و"تامينجه" إلى الواجهة، لتثبت المستندات أن الذي جمعهما في عالم التهرب الضريبي كان أكبر من أن يتم تجاهله أو إنكاره.
وقبل ذلك بنحو سنة، ثار اسم "تامينجه" وزميله "عارف" في قضية شائكة، هزت قطاع الرياضة في أوروبا، مع الكشف عن شركة تحاول المتاجرة باللاعبين، بشكل يخرق الأعراف المرعية في هذا الجانب.
ويبدو أن عجائب "تامينجه" لا تنقضي، فهذا الرجل المولود عام 1972، كان وما زال قطبا مثيرا للجدل في بلاده تركيا، ابتداء من علاقته مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، وانتهاء بارتباطه الوثيق بزعيم ما يسمى الكيان الموزاي "فتح الله غولن"، حيث كان "تامينجه" من أكبر أتباعه، قبل أن ينقلب "غولن" على الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".
وإنه لمن المثير حقا، أن "تامينجه" يقضي جزءا غير قليل من أوقاته في كازاخستان، المعروف بتغلغله في أوساطها المالية والسياسية، بينما يقضي "عارف" الكازاخي الأصل جلّ وقته في تركيا.

وإذا كانت احتمالية "المصادفات" و"المفارقات" قائمة في كل حين، فإن نطاقهما لا يمكن إلا أن يضيق إلى أبعد حد، ونحن نقف أمام مكان ينتظر منه البعض انبعاث دخان أبيض بشأن الملف السوري، فيما مالك هذا المكان رجل مغلف بغمامة سوداء تم تحتها بناء صلات، وصلات وثيقة مع: بشار وأردوغان وترامب والروس جميعا.
وأخيرا، قد تبدو ملحوظة على الهامش، ولكنها في صلب الموضوع، وهي فقط للتذكير أن اختيار "ريكسوس أستانة بريزدانت" لم يكن عبثا، حيث إن هذا الفندق الذي تعقد فيه محادثات المعارضة مع النظام اليوم، هو نفس الفندق الذي استضاف صيف 2015 مؤتمرا آخر لمن يسميهم البعض "معارضة المعارضة" أو المعارضة المقربة من النظام.. ويبدو إن إصرار موسكو على اختيار نفس المكان، هو رسالة واضحة للمعارضة التي تفاوض الآن أننا جررناكم إلى المكان الذي كنتم تأنفون القدوم إليه من قبل، وكنتم تعدونه مجرد لعبة للتشويش على مؤتمر جنيف وإسقاطه.. فهل وصلت الرسالة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية